استعرت حرب التصريحات بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل في الأيام الماضية. وفيما يحاول الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل ترك السجال ضمن سقوف التسوية الرئاسية، يتهم تيار المستقبل باسيل بمحاولة الهيمنة على التعيينات المقبلة.
أجّلت التسوية الرئاسية، وما تلاها من تقارب بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، الصدام بين نهجين في الحكم: أول يحاول قدر الإمكان التمسّك بالحريرية السياسية، وثانٍ يسعى إلى استعادة صلاحياتٍ خسرها موقع الرئاسة في مرحلة ما بعد الطائف. ودُعمت التسوية بتفاهمات مصلحية في الكثير من المشاريع، وخاصة في الكهرباء والاتصالات.
غير أن مرحلة الانتخابات النيابية عكست توازنات جديدة في البلاد، مع ظهور تراجع واضح للحريري وتقدم أوضح للتيار الوطني الحرّ. وما هي إلّا مسألة وقت، حتى بدأت نتائج الانتخابات النيابية تعكس نفسها على الواقع الجديد، من التعيينات إلى مجلس الوزراء، وصولاً إلى السياسة الخارجية.
في الأيام القليلة الماضية، ارتفع منسوب التوتّر بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. وإن كانت أسباب الخلاف المعلنة بين الطرفين سجالات إعلامية وردود على خطابات لباسيل ومن ثم ردودٍ مضادة، إلّا أن الثابت أن التحوّلات التي تطرأ على موازين القوى تفرض هذا الصراع، الذي لا يزال باسيل والحريري متمسّكين بضبطه. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن الحريري اتصل بباسيل يوم أمس، وأبلغه تمسّكه بالتسوية الرئاسية وأن «الحريري لن يدخل شخصياً في حملة الردود التي يقودها صقور تيار المستقبل ووسائل إعلامه، طالباً من باسيل تهدئة الأجواء من جهته». في المقابل، أكّدت مصادر مطّلعة على موقف باسيل، أن «وزير الخارجية بدوره يؤكّد تمسّكه بالتسوية الرئاسية»، وأنه «يدرك أسباب الحملة ضدّه» وأن «من يقودها هم مجموعة من المتضررين من العلاقة مع الحريري ويحاولون إحراج رئيس الحكومة والمزايدة عليه».
ويفنّد المصدر «الجهات التي تقف وراء الحملة على باسيل، فهي أوّلاً المعترضون من داخل التيار، الوزير السابق نهاد المشنوق، الرئيس فؤاد السنيورة واللواء أشرف ريفي، وهؤلاء يستغلون أي فرصة للانقضاض على الحريري وتظهيره في موقع الضعف». المجموعة الثانية، يصفها المصدر بـ«الميليشيات التي لم تخرج من الحرب بعد، أي القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي». أمّا لماذا تكتّلوا؟ فالسبب بحسب المصدر أن «باسيل استطاع إحداث اختراق جدي في منظومة حماية هذه المجموعات عبر دخوله على خط الموازنة، ثمّ كان نشاطه لافتاً في شهر رمضان من البقاع الغربي حيث شارك في الإفطار الذي دعا إليه رئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم مراد بحضور الوزير حسن مراد وآلاف المشاركين، ثم دعوة النائب فيصل كرامي إلى البترون وإقامة إفطار حضره جمع غفير في طرابلس». لكن ألم يكن كلام باسيل مستفزّاً في البقاع الغربي لناحية الحديث عن قيام السنية السياسية فوق جثة المارونية السياسية؟ يجيب المصدر: «كان موقف باسيل واضحاً، وهو انتقاد الطائفية السياسية واستخدم المثل ليقول إن أي طائفة لا تستطيع وحدها تأمين الاستقرار في البلاد». ويذكّر المصدر بأن «باسيل والحريري كلاهما متمسك بالتسوية، ولكي لا ننسى أن هذه التسوية حققت قانون الانتخاب وأدخلت بعض الإصلاحات في الموازنة والقضاء على الإرهاب وقتها وإطلاق حملة لمكافحة الفساد في القضاء». لكن المصدر يؤكّد أن «الانزعاج الأساسي هو عودة القرار إلى بعبدا، فيجب أن لا ينسى هؤلاء أن استعادة القرار في بعبدا منح الحريري على المستوى الشخصي غطاءً داخلياً شعبياً، وخارجياً أمام حلفائه وأخصامه، وأعطى هامشاً للموقف اللبناني الخارجي كي لا يكون مرتهناً».
في المقابل، تؤكّد مصادر في تيار المستقبل لـ«الأخبار» أن المشكلة الحالية هي بسبب سعي باسيل للهيمنة على التعيينات المرتقبة. وتقول المصادر إن «تيار المستقبل شعر بأن باسيل يقوم بحملة على التعيينات قبل حصولها تمهيداً لجلسة مجلس الوزراء بعد عيد الفطر». وتشير إلى أن «وزير الخارجية لا يخفي نيّته التدخل في تعيينات قوى الأمن الداخلي وسعيه مؤخراً إلى محاولة تغيير مدير عام قوى الأمن الداخلي، وهو يضع نصب عينيه موقع المدعي العام التمييزي، وهو أحد أبرز الموقع السنيّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نوّاب حاكم مصرف لبنان والميدل إيست». ويؤكّد المصدر أن «الاستياء كبير جداً في تيار المستقبل من الهجوم على عثمان وهذا الأمر يؤذي الرئيس الحريري في الشارع، وهناك خوف حقيقي من أن تتدحرج الأمور في الحكومة ونصل إلى الصدام». وختم المصدر بالقول إن الجميع ينتظر عودة الحريري من السفر.