Site icon IMLebanon

احتقان السجالات ينذر بعواقب انهيار وشيك… فمن يفرمله؟

بلغ السيل الزبى، وفاض كأس الاحتقانات السياسية توتراً بدأ ينسحب على الشارع، في لعبة قد يدرك البعض بدايتها لكن النهاية الخطيرة غير معروفة حكماً. نهاية قد تطيح ليس بالافرقاء المتساجلين، التيار الوطني الحر مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية وقبلهما “التقدمي الاشتراكي” وحركة امل فحسب، بل بالبلاد برمتها، اذا لم يخرج سريعاً من يفرمل هذا التدهور غير البعيد عن الانهيار. صحيح ان القيادات السياسية اللبنانية تجيد بإتقان لعبة الرقص على حافة الهاوية، ولطالما مارستها خلال السنوات الماضية، غير ان”الجرّة لا تسلم كل مرة”، خصوصا اذا كان الوضع العام شبيهاً بالذي يحكم لبنان راهناً، ووسطاء الخير منكفئين عن الساحة، والخارج الذي ادار لعقود طويلة اللعبة السياسية، متلهياً بإبرام صفقة قرن من هنا ومشاريع تسويات لازمات المنطقة من هناك.

والاخطر في مسلسل النزاعات السياسية انها وجهت سهامها في اتجاه ثلاثية ممنوع المس بها، قوامها: الثوابت والمسلّمات الوطنية، مشاركة الجميع في السلطة والتضامن المسيحي الذي استلزم اعادة ترميمه اكثر من عقدين ونصف من الزمن. ازاء هذا الواقع، تؤكد اوساط سياسية لـ”المركزية” ان السكوت عما يجري جريمة لم يعد معقولا ولا مقبولا السكوت عنها، لان الهيكل سينهار على رؤوس الجميع، واولهم عهد الرئيس ميشال عون “القوي” المفروض والمتوقع ان يكون منهمكاً في ورش الاصلاح عوض التلهي في كيفية رأب الصدع بين القوى السياسية خشية انهيار التسوية التي ارست دعائمه الاساسية. من هنا، ترى الاوساط ضرورة لتغليب لغة العقل والمنطق وتشكيل “لجنة حكماء” تطلق مبادرة انقاذية تمنع المزيد من الجنوح نحو المحرّمات.

وتعتبر ان المواقف التي صدرت، او لم تصدر، عن وزير الخارجية حول  ان “السنية السياسية  قامت على جثة المارونية وسلبتها كل الامتيازات، التي سنستعيدها مهما كان الثمن”، باعتبار ان باسيل اكد امس انه لم يقل كلاماً مماثلا، يشير الى استدراك ما بلغه التصعيد من خطورة وبدء التراجع عما من شأنه ان ينسف التسوية الرئاسية ومحاذرة الدخول في متاهة مواجهة الشارع السني من خلال الاشتباك كلاميا مع قيادته، وما تأكيد مصدر قيادي في “تيار المستقبل ان رئيس الحكومة سعد الحريري لم يتصل بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الذي اشارت وسائل اعلام اليوم الى “ان الحريري اتصل بباسيل مجددًا تمسكه بالتسوية الرئاسية وبأنه لن يدخل بالحملة التي يقودها صقور “تيار المستقبل” ووسائل إعلامه”، سوى دليل الى المنحى الذي تسلكه الامور سنياً عموما ومستقبلياً في شكل خاص. فالاشتباك مع الشارع السني دونه محاذير كثيرة يدركها تماما الوزير باسيل، ولن يتمادى اكثر في اتجاهها، من هنا، تعتبر الاوساط ان السجال بين “التيار” و”المستقبل” بلغ حدّه الاقصى ولا يمكن ان يذهب ابعد من ذلك، لان الامور اذا ما تفلتت من عقالها وانزلقت في اتجاه الشارع ستصبح الوساطات ومساعي التهدئة انذاك دون ذات جدوى.

وتعرب الاوساط عن اعتقادها ان ما جرى اخيرا من حروب كلامية بين التيار الوطني الحر ومختلف القوى السياسية باستثناء حزب الله، الذي ينأى بنفسه عن سجالات حليفه، وارتداداتها، لا بدّ انه بلغ خط النهاية، فالاتكاء على رهان حرص القوى السياسية على التسوية الرئاسية ادراكا لتداعيات انهيارها، لم يعد ينفع، والذهاب ابعد من ذلك، ليس في مصلحة اي فريق سياسي، بما فيه التيار الوطني الحر، المعني اكثر من غيره بتأمين بيئة مناسبة لنجاح العهد، لن تنمو الا بالاقرار بمنطق الشراكة والابتعاد عن عقلية الحزب الحاكم الممسك بزمام الدولة والقابض على مؤسساتها ومفاصلها كافة وغير القادر على استيعاب شركائه في الوطن.

وتدعو الاوساط الى ترقب مضامين خطب عيد الفطر التي يلقيها المفتون السنّة لتلمس الاتجاهات التي ستسلكها الامور على مستوى الشارع السني المحتقن بفعل المسّ المتكرر بصلاحيات اعلى مراكزه في الدولة، فهل يطفئ “تراجع” الوزير باسيل عن “الاستهداف” نيران الاحتقان في هذا الشارع صونا للتسوية وموجباتها، وهو الخيار الاكثر ترجيحا؟ وهل تعيد بعض القوى السياسية قراءة نهج عملها ومواقفها التي اثبتت التجربة اللبنانية عدم صوابيتها؟