لم يكن أحدٌ في لبنان يتوهّم أن التسوية السياسية التي يشكّل فريقا رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري ركيزةً أساسية لها ستنهار تحت وطأة «الضربات» التي تبادَلها الطرفان في الأيام الماضية، ولكن السؤال الأبرز الذي فَرَضَ نفسه مع مَلامح السعي لـ«إعادة الجمر إلى تحت الرماد» في علاقةِ «المدّ والجزر» الدائميْن هو هل سيكون ذلك على طريقة «كأن شيئاً لم يكن» أو على قاعدة «شدْشدة» مرتكزات التسوية ومعالجة مكامن الخلل فيها.
وحَمَل تَسْريبُ معلوماتٍ صحافية عن اتصالٍ جرى الأحد بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، أكد خلاله الأول تمسُّكه بالتسوية وطلب التهدئة، ثم نفي المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة حصول هذا الاتصال وتأكيده أن أيّ تَواصُل لم يتمّ مع باسيل منذ انتهاء مناقشة مشروع الموازنة، إشارةً توقفتْ عندها أوساط سياسية عبر «الراي» اعتبرتْ أن العلاقةَ بين الطرفين باتت تخضع لحساسياتٍ وحساباتٍ تجعل من الصعب على الحريري، المتمسّك بالتسوية، اتخاذَ أي مبادرةٍ من جانبٍ واحد من دون ضبْط «التفلّت» في النهج والسلوك سواء في مقاربة ملفات داخلية أو استحضار عناوين مثل «السنية السياسية»، وهو الأداء الذي استدرج اعتراضات من على يمين الحريري ويساره حذّرت من التمادي في ضرْب صلاحيات رئاسة الحكومة والصمت حيال ذلك كما تجاه ما اعتُبر «انقلاباً على اتفاق الطائف».
وفيما حاوَلَ «التيار الحر» وضْع المواقف التي اندفعتْ منتقدة كلام باسيل حول السنية السياسية وهجومه على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في إطار «المزايدة» على الحريري ومحاولة إحراجه، رأت الأوساط السياسية أن طبيعة الردود على وزير الخارجية وصدورها عن أمين عام «تيار المستقبل» أحمد الحريري كما وزيرة الداخلية ريا الحسن وصولاً إلى مقدّمة أخبار «تلفزيون المستقبل» تعكس أن رئيس الحكومة الذي التزم حتى الآن الصمت شخصياً على ما نُسب الى باسيل (قبل ان ينفيه الأخير) كما على التدخل السياسي في الحكم الذي أصدرتْه المحكمة العسكرية بكفّ التعقبات عن المقدم سوازن الحاج (بملف فبركة تهمة العمالة للمسرحيّ زياد عيتاني) ليس في وارد السماح بالمزيد من استنزاف دور كرئيس للحكومة وزعيم للطائفة السنية، من دون أن يُعرف ما الهوامش المتاحة لفرْملة المسار الذي يقوده رئيس «التيار الحر» وسط اقتناعٍ بأن الحريري ليس قادراً على التقدم كيفما كان الى الأمام ولا التراجع كيفما كان الى الوراء.
وكان لافتاً في سياق إكمال «نصاب» الردود على باسيل من فريق الحريري إصدار وزيرة الداخلية بياناً مفصلاً دعا وزير الخارجية الى عدم التدخل في شؤون الوزارات الاخرى، والاكتفاء بدوره في وزارته مدافِعة عن اللواء عثمان بوجه اتهامات باسيل له (في ملف رخص حفر الآبار والبناء والكسارات)، قبل ان تتوّج مقدمة «تلفزيون المستقبل» مساء الأحد هذا المسار بالتوجه الى رئيس «التيار الحر»: «هناك مَن يعتبر أنك صرتَ عبئاً على العهد، وتضع رئاسة الجمهورية في مواجهة العديد من المكونات السياسية، العهد ينجح بتضامن اللبنانيين وحماية الاستقرار السياسي والتكافل على اطلاق عجلة الانقاذ الاقتصادي والمالي، والتوقف عن لغة الاستقواء والتهديد والوعيد في الصالونات المقفلة وغير المقفلة».
على أن الأوساط نفسها لاحظتْ أن بداية الأسبوع شهدتْ «هدنة» كلامية على جبهة «التيار» – «المستقبل» في مؤشرٍ إلى رغبة الطرفين في صون «خطوط الرجعة» الى ترميم التسوية التي لا بديل منها والتي أثار اهتزازها «نقزة» العديد من الدول التي تتطلّع الى انطلاق مناقشات موازنة 2019 في البرلمان أمس للمباشرة بالمسار التنفيذي لمؤتمر «سيدر» الإنقاذي.
وغداة ما بدا استشعاراً من باسيل بحراجة ترْك ما نُسب اليه حول السنية السياسية يتفاعل ومبادرته إلى التنصل منه في موازاة إكمال المعركة على اللواء عثمان، استوقف الأوساط نفسها إحالة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، الى مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسان الخوري، ملف المقدم الحاج، حيث سينكبّ على دراسته تمهيداً لطلب النقض، وهو ما اعتُبر بمثابة «خطوة الى الوراء» في هذا الملف من «التيار الحر» (يدعم جرمانوس) إفساحاً في تبريد الأجواء التي تفجرت مع «المستقبل» على خلفية هذا الملف الذي شكّل حلبة جديدة في سياق المواجهة بين جرمانوس وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي.
ويُنتظر ان تشكل استراحة عيد الفطر الذي يمْضيه الحريري مع عائلته في الخارج فسحة للمزيد من التقاط الأنفاس قبل العودة الى «جدول الأعمال» المحلي وسط رصْد لـ«خريطة الطريق» للنزول بالكامل عن «شجرة التصعيد» الذي تتشابك خلفياته وبعضها يتّصل بتعيينات مرتقبة سواء في قوى الامن الداخلي أو غيرها، ناهيك عن التشظيات المكتومة لمواقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ولا سيما إدانته موقف الوفد اللبناني برئاسة الحريري في القمة العربية في مكة وعدم التحفظ عنه، وهو الموقف الذي ذكرت صحيفة «النهار» انه كان منسقاً مع عون وان رئيس الحكومة عمل بالتوازي على عدم ذكر «حزب الله» في البيان الختامي للقمة.