لا أحد يعرف كيف ستنتهي الأزمة بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل. كلما مر الوقت، زادت الهوة بينهما، في ظل صوم الحريري عن الرد المباشر، واستمرار باسيل بتثبيت مواقعه.
الملفات الخلافية كثيرة، ويصلح كل منها لتفجير معركة بين الطرفين. من سلوك باسيل في مجلس الوزراء وتعامله مع الموازنة من موقع الحاكم، إلى الحديث عن استعادة خطاب المارونية السياسية، إلى قضية اللواء عماد عثمان الذي يُنسب إلى باسيل حَملُ لواء تغييره، إلى قضية التدبير الرقم ثلاثة التي لم يعد باسيل متضامناً مع الحريري بشأن إلغائه، إلى إعادة التحقيق بملف الإرهابي عبد الرحمن مبسوط في تصويب مباشر على فرع المعلومات، إلى ملف المحكمة العسكرية، التي يرى الحريري أن حكمها على المقدم سوزان الحاج كان إعلاناً من باسيل أن الأمر له فيها… الملفات كثيرة، لكن جامعها هو التوتر المذهبي المتفاقم، الذي تحول إلى توتر سني ــــ سني، يساهم بشكل أو بآخر في إضعاف دور الرئيس الحريري في طائفته ووطنياً.
صارت الحملة واضحة المعالم بالنسبة إلى الحريري ومحيطه. ليست المشكلة مع باسيل حصراً. هي أولاً مع الوزيرين السابقين نهاد المشنوق وأشرف ريفي. «المستقبل» صار يرى في كل من يقف من تلقاء نفسه في وجه «الهجمة الباسيلية»، إنما يساهم في تعزيز الهجوم على موقع الحريري في السلطة. وفي هذا السياق، لا يمكن عزل دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين المستائين مما آلت إليه «أوضاع الرئاسة الثالثة»، وإن تعمد الحريري، عبر مقدمة نشرة أخبار تلفزيون المستقبل، أمس، تحييدهما، متجاوزة «الأقلام التي تجعل من المواقف الوطنية للمفتي ورؤساء الحكومات السابقين، خناجر لطعن الرئيس سعد الحريري في الظهر»، ومؤكدة على أن الحريري وهؤلاء على خط واحد وقلب واحد، «أما الباقي، فأضغاث أحلام ومحاولات لقنص الفرص». الانتقاد المستقبلي كان واضحاً أنه موجّه للوزيرين السابقين النائب نهاد المشنوق وأشرف ريفي.
وإذ نطقت «المستقبل» باسم رئيس الحكومة، فقد وصلت حالة الاستفزاز التي يعيشها التيار الأزرق إلى حد إفراد مساحة كبيرة من مقدمة النشرة للرد على مقالة كتبها الزميل قاسم يوسف في موقع «ليبانون ديبايت»، تركز على النقطة نفسها، أي «الدرك الذي أوصل الحريري أهل السنّة إليه»، والذي يجعلهم يتخوفون من أن يتحولوا إلى «ماسحي أحذية في جمهورية جبران باسيل».
تلك عبارة جعلت الرد على باسيل تفصيلاً. ليس الوقت وقت مواجهة «سياسات الاستقواء وإخراج التسوية عن سكة الشراكة الوطنية والعودة بها إلى سكة الاستئثار ومد الأيدي على مواقع السلطة يميناً ويساراً». الأولوية للرد على «الجالسين على الرصيف السياسي لبيت الوسط الذين ينبرون للدفاع عن صلاحيات رئاسة الحكومة وحماية حقوق السنّة وتحميل الحريري المسؤولية، حتى أصبح لسان حاله: اللهمّ احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم»!
لكن ماذا بعد كل ذلك، هل التسوية الرئاسية في خطر؟ سريعاً، يأتي الجواب بأنها مستقرة بقوة دفع نتائج الانتخابات وبقوة دفع تتخطى الصراعات المرحلية واللعبة الداخلية. أما أداء باسيل الحكومي وإيحاؤه بأنه هو القابض على مجلس الوزراء، أو المناوشات غير العلنية التي تجرى بينه وبين قائد الجيش جوزف عون، فلا تساهم إلا في زيادة التوتر، لكن من دون أن تؤثر على التوازنات الداخلية ومن دون أن تؤدي إلى إطلاق معركة رئاسة الجمهورية باكراً.
في المحصلة، وفي ظل انتظار شكل التهدئة التي لا مفر منها، علمت «الأخبار» أن حزب الله نصح باسيل بضرورة التهدئة مع الحريري، علماً بأن وزير الخارجية كان قد قرر زيارة دار الفتوى يوم الثلاثاء المقبل، فيما سيزور رئيس الحكومة قصر بعبدا، فور عودته من إجازته، للقاء الشريك المباشر في التسوية الرئاسية.