بدل ان تُعيد عملية طرابلس الارهابية رصَّ صفوف الطبقة السياسية التي تشتّتت بقوة في الاسابيع الماضية، وبدل ان تُجابَه بموقف موحّد وبوضع السجالات التي اندلعت عنيفة بين اهل البيت الواحد، جانبا، أتت الحادثة لتوسّع أكثر الهوّة التي تباعد بينهم، وعلى رأسهم ركنا التسوية الرئاسية التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. اذ سرعان ما أعاد بعض الفريق الاوّل فتح صفحات كانت طويت منذ ابرام التفاهم بين الجانبين، عن دور للتيار الازرق ومَن يدورون في فلكه، في دعم الجماعات الارهابية والسعي لحمايتها ومنع محاكمة المنتمين اليها كما يجب.
وفي هذه الخانة، تصب مواقف بعض مسؤولي التيار “البرتقالي” التي أشارت الى ان ارهابي طرابلس خرج من السجن قبل أوانه، ملمّحين الى دور لقيادات المدينة في فكّ أسره، وأيضا الى تقصير من “شعبة المعلومات” المحسوبة على “المستقبل”، في إبقائه تحت الرصد والمراقبة. وفي وقت اعلن وزير الدفاع الياس انه سيطلب إجراء تحقيق لتبيان كيف أوقف عبد الرحمن مبسوط وكيف حكم وكيف خرج من السجن، تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، ان ما يجدر التوقف عنده، لوضع الامور في نصابها الصحيح وعدم الانجرار خلف المعطيات “المُسيّسة” في معظمها، هو ان الانتحاري، نفذ حكما عن المحكمة العسكرية (التي يدافع عنها بقوة التيار الوطني في الفترة الاخيرة)، بكامله وخرج بعده من السجن، ما يعني ان حكمه لم يكن مخففا. أما الخروق الامنية، فممكنة وواردة وهي تحصل في أكبر دول العالم، من اوروبا الى الولايات المتحدة وصولا الى نيوزيلندا وهي لا تعني ان ثمة جهازا مقصّرا. الى ذلك، تستغرب المصادر مسارعة فريق سياسي، الى رمي ورقة “السنّة يغطّون ارهاب داعش ويؤمنون بيئة حاضنة له”، مجددا في السوق السياسية. فمحاولة تصوير طائفة بأكملها وكأنها داعمة للتطرف، فيه كثير من الظلم والتجني، ويعتبر نفخا في نار الفتنة. كما انه يشكّل ادانة لهذه القوى التي قررت وضع يدها بوضع تيار المستقبل في الانتخابات الرئاسية والجلوس مع الاطرف السنية الاخرى كلّها، على الطاولة الحكومية نفسها.
واذ تتوقّع ان تتم لململة هذه الاصوات في قابل الايام من قيادة التيار الوطني الحر، تشير المصادر الى ان حريّا بأركان العهد ان ينكبّوا على معالجة أسباب الارهاب والتطرف (وهو ليس عملة رائجة في لبنان بفضل جهود القوى الامنية والعسكرية) بدلا من التلهي في السجالات والمناكفات العقيمة. فالفقر والحرمان والجهل لها الدور الاكبر في تغذية الارهاب، وعليهم تاليا، فيما في يدهم مقاليد قيادة البلاد، العمل على معالجة الازمة الاقتصادية والمعيشية المخيفة التي يعاني منها اللبنانيون، فهذا تحديدا، ما يجب ان يفعلوه اذا كانوا فعلا يريدون القضاء على التطرف.
اما الظلم، فهو ايضا من أهمّ مسببات الارهاب. ولمّا كان في لبنان، فريق بسمنة وفريق بزيت، واحد يستقوي بسلاحه ولا مَن يسائله، وآخَر يُحاسَب عند أوّل هفوة، فإن هذا الواقع سيدفع بالثاني الى الانتفاض والرد بالاشكال التي يراها مناسبة. من هنا، لا بد من وقف سياسة “الصيف والشتاء” تحت سقف واحد، واعتبار المواطنين كلّهم سواسية امام القانون. وذلك لن يتحقق من دون استراتيجية دفاعية تحصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة.
واخيرا، لمنع تكرار انتكاسة طرابلس، من الضروري اعادة النظر في ملف الموقوفين الاسلاميين ومعالجته مرة لكل المرات، كما يجب، فينال الموقوفون العقاب الذي يجب ان ينالوه لا أكثر ولا أقلّ.
هذا المسار- لا التراشق بالتهم والاشتباكات الكلامية الفارغة- هو الذي يجب ان يعقب حادثة المبسوط. فهل مِن سامع؟ تختم المصادر.