كتبت ناتالي اقليموس في “الجمهورية”:
«أم المعارك»، «معركة كسر عضم»، «معركة تحديد أوزان»، «معركة ترميم الثقة»… تتعدّد توصيفات المعركة الانتخابية التي تشهدها نقابة أطباء بيروت غداً، وتتشعب حولها التحالفات الحزبية التي أتت في بعض منها مغايرة للإصطفاف السياسي القائم، لذا اختلف المراقبون في توصيفها ما بين تحالفات هجينة، تحالفات مصالح، وتحالفات الورقة الرابحة. غداً سيكون نحو 9 آلاف طبيب، سدّدوا اشتراكاتهم من أصل 13 ألف منتسب، على موعد مع جولتين من الاقتراع، بعدما أقفل باب الترشح على إسم 50 طبيباً. في الدورة الأولى من المعركة وهي على العضوية، ينتخب الاطباء 8 أعضاء لمجلس نقابتهم المكوّن من 16 عضواً بمن فيهم النقيب. وفي الدورة الثانية ينتخب الأطباء نقيبهم لولاية تمتد لثلاث سنوات، ويتنافس على هذا الموقع 13 طبيباً (11 طبيباً من بين الـ50 مرشحاً، وطبيبان من المجلس الحالي).
«اليوم قبل بكرا». عبارة لا تختصر فقط مواقف الاطباء، المرشحين، الناخبين والنقابيين الذين التقتهم «الجمهورية»، انما رغبة نسبة كبيرة من الأطباء في إبعاد نقابتهم عن حافة الهاوية نتيجة ما شهدته في السنتين الماضيتين من انقسام عامودي وشرخ في مجلسها، وتعطّل عمل معظم لجانها. وما زاد الوضع سوءاً وشكوكاً، بيان وزارة الصحة، بعدما كان قد أوعز الوزير جميل جبق بفتح تحقيق مالي بين 2015 و2018، للتأكّد من صحة اتهامات بالفساد والهدر وُجّهت الى النقابة، والذي أظهر تجاوزات ومغالطات عن كيفية إدارة ومصير أكثر من 100 مليون دولار هي أموال الأطباء.
في الكواليس…
حيال الأزمة البنيوية والوضع المالي المتعثر في النقابة، وتجاه نقمة الأطباء العارمة نتيجة الوضع المزري الذي يتخبطون فيه، تبدو لافتة زحمة المرشحين. إلّا انّ المعركة الاساسية على منصب النقيب تتركّز بين النقيبين السابقين، الدكتور شرف لويس ابو شرف، الذي يحظى بدعم «التيار الوطني الحر»، «القوات اللبنانية»، «الكتائب اللبنانية»، و«حزب الله»، والدكتور جورج أفتيموس الذي يحظى بدعم «تيار المستقبل» و«حركة أمل» و«الحزب التقدّمي الاشتراكي» ومستقلين.
د.شرف ابو شرف
يُدرك الطبيب شرف ابو شرف انّ تولّي منصب النقابة ليس بنزهة، خصوصاً انه سبق أن خاض غمار النقابة وعرف مدى إمكانية المحاربة التي قد يتلقاها النقيب، إلا أنّه يؤكّد «خوضه المعركة من روح المسؤولية وانتشال النقابة من واقعها». ويوضح في حديث لـ«الجمهورية»: «نقابة الأطباء في وضع مأزوم والمشاكل مزمنة سبق وحاولنا معالجتها، ولكن البعض رفض واتجه إلى أساليب غوغائية.
د. جورج أفتيموس
في المقابل، يضع الدكتور جورج فيليب أفتيموس نُصب عينيه معركة النقابة نحو التغيير، فيقول في حديث لـ«الجمهورية»: «النقابة بالويل، تتخبّط في وضع إستثنائي، فقد أصابها شلل نتيجة سوء إدارة، والدليل التقرير الذي صدر عن وزارة الصحة».
من أين سيبدأ أفتيموس معركته؟ يجيب: «الثقة أساس كل شيء، لا بدّ من ترميمها بين الطبيب ونقابته التي هي بيته الاساس. لذا على نقابتنا أن تستعيد دورها وتعيد ثقة الطبيب بها، وعلى هذا الأساس أخوض المعركة». ويؤكّد أفتيموس، انّ خوضه للمعركة على مركز النقيب «ليس طمعاً بالموقع أو اللقب، سبق وكنت نقيباً في العام 2007 حتى 2010، ولكن من منطلق انني تبوأت منصب النقابة، ويؤلمني ما يحصل، فكان لا بدّ من الاسراع في إنقاذها».
يعتبر أفتيموس، «انّ الذي أوصل النقابة الى الوضع الراهن هي السياسة والطائفية «كالسوس» نخرت في بنيان النقابة، ونتيجة رغبة البعض بالتسلّط». ويستذكر أفتيموس أيام ولايته، قائلاً: «كانت تسير الأمور بكل «سلاسة» رغم ظروف البلد الصعبة وتعطل بعض المؤسسات، فتمكنّا من ان ننجز داخلياً ولم يتعطل في أي يوم مجلس النقابة». لذا يراهن أفتيموس على قدرته في التواصل مع الجميع على نحو يخوله إخراج النقابة «من الورطة الحالية».
وللعضوية معركتها…
من جهتها، تخوض الدكتورة رانيا باسيل، المرشحة الى عضوية مجلس النقابة معركتها الانتخابية تحت شعار #الصوت_المستقل _للتغيير. باسيل التي سبق ان ترشحت في الانتخابات النيابية في جبيل مع المجتمع المدني، وهي في لجنة البيئة في نقابة الأطباء، تعتبر» انّ الانقسام الحاد في النقابة أساء إلى مفاصلها وعطّل لجانها، لذا أطباء بيروت يتوقون إلى من يوحّد صفوفهم». أما الاساس لإنجاح المجلس الجديد فتقول: «أؤمن انّ الشخص تختصره أعماله وليس انتماؤه الحزبي او الطائفي، لذا وقبل أن ندلي بأصواتنا لنبحث عن «الشغيل والآدمي» الذي يعمل للنقابة بعيداً من أي مصلحة فئوية أخرى».
أما الدكتور برنار جرباقة، الذي أنسحب بعد ظهر أمس من معركة مركز النقيب لمصلحة ابو شرف، ويستمر مرشحاً على العضوية ضمن لائحة ابو شرف، فاعتبر «انّ زحمة المرشحين مؤشر واضح الى الأزمة الفعلية الحالية في الجسم الطبي وضياع البوصلة في النقابة، وكلٌ يريد المساهمة على طريقته في المعالجة، لذا لا يمكن الاستخفاف للحظة بهذا الاستحقاق». ويوضح جرباقة في حديث لـ»الجمهورية»: «80% من البرامج الانتخابية تتشابه في هذه المعركة، نظراً إلى انّ الأطباء يُعانون من الألم والوجع نفسه، ويرفعون المطالب نفسها، ولكن لا بدّ من توافر قرار شفاف ومشترك لدى المجلس النقابي الجديد حيال مناهضة الهدر والفساد وتحسين الإرشاد الإداري والتنظيم المالي لتقديم صورة جديدة عن النقابة».
أبرز المطالب
تتوزّع مطالب الاطباء بين تنظيم المهنة وتحصين موقعهم، انتشال النقابة إدارياً ومالياً من الانهيار، تعزيز ضماناتهم المعيشية والتقاعدية والاستشفائية. جُلّ ما يبحث عنه الاطباء اليوم وقوف النقابة إلى جانبهم، فتقول إحدى الطبيبات: «خلال ممارستنا اليومية نتعرّض الى أنواع شتى من الضغوط سواء من المواطنين أو الإعلام الباحث عن سبق صحفي من أي عملية تأخير أو شكوك بسيطة لجعل منها قضية رأي عام». وتضيف: «من المؤسف في الوسط الطبي ان نرى طبيباً يُعامل كمجرم والاستعجال للحكم عليه قبل بلوغ التحقيقات الطبية خواتيمها، فتشوّه سمعته ولا يعود من يسأل عن مستقبله. لذا نحتاج الى قانون يحمينا من الإعتقال التعسفي والتشهير الإعلامي».
أما الطبيبة نغم، وهي في قسم التوليد، فتقول: «نحتاج إلى صون كرامة الطبيب ورفع معاشه التقاعدي الذي لا يتجاوز الـ900 ألف ليرة، كذلك الى ضمان صحي له».
أما على الصعيد الإداري، فيقول الطبيب جهاد، وقد انتسب حديثاً إلى النقابة، «نحتاج إلى شفافية مالية، نشر كل القضايا المالية والإدارية على الموقع الإلكتروني للنقابة، ليعرف الاطباء مصير اموالهم واشتراكاتهم».
من السلف الى الخلف…
9 حزيران موعد ينتظره النقيب الحالي ريمون صايغ بفارغ الصبر قبل سواه، لانهاء ولايته التي لا يُحسد عليها، بعدما انقسمت النقابة إلى فريقين، الأول موالٍ له والثاني معارض. وفيما كان يُفرغ صايغ مكتبه من أغراضه الشخصية، أعرب لـ«الجمهورية» عن أسفه «للولاية المريرة التي خاضها»، مع الإشارة إلى انّه في انتخابات 2016 فاز من الدورة الأولى بمنصب النقيب بعد انسحاب المنافسين للائحته. ورغم الإجماع العام السياسي الذي لقيه، والذي على أثره إستبشر الاطباء خيراً، إلا انّ ولايته لم تكن على قدر الرهان، فيصفها بـ3 مراحل، قائلاً: «للأسف ذهبت السنوات ضحية تنازعات وصلت إلى حائط مسدود بعدما انقلب ضدي من فازوا معي. ففي السنة الأولى كانت انتاجية مثمرة، السنة الثانية نصف انتاج مع مناقمة كبيرة والسنة الثالثة مقاطعة ورفع دعوى، وبعدما ربحنا الدعوى خرج البعض ببدعة الحراك لمنعنا بالقوة من الاجتماع، فمن تعذّر عليه عرقلتنا قانونياً وشرعياً وجّه بعض الاطباء للتحرّك على الارض ومنعنا بالقوة من مواصلة عملنا، واقتصر جهدنا على اجتماعات ذات ضرورة قصوى».
ختاماً، يبقى السؤال، إذا لم يضمن الإجماع السياسي الذي لقيه الصايغ بعد انتخابه نقيباً، قيادة آمنة للنقابة إلى برّ الامان، كيف بالحري للنقيب المرتقب وسط الكباش السياسي والاصطفاف الحزبي؟ على حدّ تعبير الصايغ: «في النقابة مليون مشكلة وليس فقط النقابة بحاجة إلى تنظيم بل بعض النفسيات أيضاً والذهنيات في مقاربة الامور».