المشهد الداخلي مصاب بحال من انعدام التوازن، كأنّه يسير في حقل مزروع بالقنابل الموقوتة، معدّة للانفجار في فترات زمنية متقاربة، ومع كل انفجار تشتعل الجبهات السياسية بالتوتر والسجال واحدة تلو الاخرى. ولا تنحصر النيران السياسية على الأطراف المتخاصمين سياسياً، بل تضرب المصنّفين تاريخيًّا في خانة الحلفاء، أو الحلفاء حديثاً، حيث فتحت الجبهات في ما بينهم على تبادل النيران الصديقة بشكل عنيف، ولم يتوقف بعد.
الفئات الشعبية على اختلافها عالقة في متاهة اختلافات وتباينات ومزايدات ومكايدات طبقة سياسية او بالأحرى طبقات سياسية متصارعة ومختلفة حتى على ابسط البديهيات، حتى لا نقول على جنس الملائكة.
كأن البلد معلق على سبّحة سجالية، وكرّت:
– نقاش الموازنة في مجلس الوزراء، فتح حلبة عراك سياسي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، شكّل استمراراً لاشتباك مفتوح بينهما اشتعلت شرارته منذ ما قبل سقوط تفاهم معراب بينهما، وما زال مفتوحاً حتى الآن.
– في محاذاة هذه الحلبة، فُتح اشتباك مماثل بين «التيار» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، فاقمته تغريدات رئيس الحزب وليد جنبلاط عن العهد الواعد والشهوات الرئاسية. واشتباك آخر بين «التقدمي» و«حزب الله» على خلفية كسارة عين دارة، لم يُنزع فتيله بعد، وفاقمه كلام جنبلاط عن عدم لبنانية مزارع شبعا.
– وتلى ذلك، سجال عنيف بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، ما زال محتدماً، أشعلته قضية المقدّم في قوى الامن الداخلي سوزان الحاج والمقرصن ايلي غبش، والحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية فيها.
– إشعال رئيس الحكومة سعد الحريري معركة «حماية» صلاحيات الرئاسة الثالثة، مدعوماً من رؤساء الحكومات السابقين، ورداً على ما سمّتها اوساطه محاولات إضعاف رئيس الحكومة، وذلك بعدما جرت محاولة المس بهذه الصلاحيات من قِبل جهات سياسية معينة، وكان خطاب الحريري عنيفاً جداً، ليس في اتجاه هؤلاء فقط، بل في اتجاه من يسيرون في هذا المنحى من بعض من هم من بيئته السياسية ومن سمّاهم «المقيمين» على رصيف «بيت الوسط» والذين لا هدف لهم سوى الاساءة الى الحريري.
– اخيراً، بالتأكيد ليس آخراً في هذا الجو المفتوح على التوترات، إندلاع الاشتباك وبعنف غير مسبوق وبتغريدات هجومية بين تيار «المستقبل» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، اشعل شرارته انكسار اتفاق المداورة على رئاسة بلدية شحيم، بينهما، والذي قضى بأن يتولى رئيس البلدية الحالي السفير زيدان الصغير، المحسوب على «المستقبل» لثلاث سنوات، على ان يتولى احمد فواز المحسوب على «التقدمي» رئاسة البلدية في السنوات الثلاث التالية.
الملاحظ في هذه الصورة المتوترة، انّ كل الاطراف المشتبكين مع بعضهم البعض، متعايشون معاً تحت سقف الحكومة، وعلى رغم التأكيدات التي تصدر عن المصادر الرئاسية او الحكومية او الوزارية بأنّ الحكومة محميّة بالتسوية التي انتهت الى تأليفها، فثمة كلام لافت للانتباه، لمستويات سياسية رفيعة المستوى، يفيد بأنّ «الحكومة التي لم تتجاوز بعد الستة اشهر من عمرها، تمرّ في أسوأ لحظاتها السياسية، والتباينات القائمة في داخلها، والتي تتولّد عنها السجالات بين وقت وآخر، جعلت هذه الحكومة قابلة للاهتزاز، وربما اكثر من اهتزاز، في أي لحظة، وبالتالي فإنّ الاستقرار الحكومي مهدّد بتباينات ومشاحنات مكوناتها، ما يعني انّ كل الاحتمالات السلبية واردة».