بين 11 حزيران 2012 و11 حزيران 2019، سبع سنوات من عمر “إعلان بعبدا”، الذي ارتضت من خلاله القوى السياسية كافة التسليم بمبدأ تحييد لبنان عن صراعات المحاور، وذلك في جلسة تاريخية لطاولة الحوار الوطني رأسها رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان في قصر بعبدا.
على أن السنوات السبع التي مرت على هذا الإعلان شهدت كثيرا من الضربات والخروقات التي يمكن اعتبارها سهاما قاتلة في صدر هذا الإعلان الذي لم يتأخر الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة في ملاقاة التوجه اللبناني إلى تبنيه، إلى حد إعلانه وثيقة دولية من مواثيق المنظمة الدولية، كما الجامعة العربية التي يعد لبنان عضوا مؤسسا فيها.
ولا يختلف اثنان على أن الضربة الأعنف التي تلقاها “إعلان بعبدا” أتت من المعني الأول به، “حزب الله”. ذلك أن رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد (الذي مثّل الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في طاولة الحوار، بعدما غاب لأسباب أمنية) كان أعلن موافقة الضاحية على “إعلان بعبدا” هذا، ما لبث أن شن هجوما عنيفا عليه، داعيا خصوم الحزب إلى أن “يبلّوه ويشربوا زومه”، فيما أعلن رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية أن “إعلان بعبدا” لم يعرض على أقطاب الطاولة الحوارية بالتفصيل. صورة حدت بمحور 8 آذار، بما فيه “التيار الوطني الحر”، إلى مقاطعة حوار بعبدا، وقد أتت معطوفة على قطيعة شبه تامة بين الحزب وسليمان، أذكتها دعوة الأخير إلى “التخلي عن المعادلات الخشبية”، وهو ما اعتبره الحزب إجهازا على معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، التي يجهد “حزب الله” في ضخ الحياة فيها.
وفي قراءة لهذه الصورة، تعتبر مصادر مراقبة، عبر “المركزية”، أن تجربة “إعلان بعبدا” والضربات العنيفة التي تلقاها من أهل البيت السياسي، الذين وافقوا عليه بالإجماع، تؤكد أن هناك من يحاول إبقاء لبنان فريسة صراعات المحاور، لأنها أحد أفرقائه الداخليين منخرط علنا في الصراع السوري إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، متجاوزا بذلك السياسة الرسمية القائمة على التحييد التي كرّسها “إعلان بعبدا”، والتزمتها الحكومات المتعاقبة في البيانات الوزارية، منبّهةً إلى أن “حزب الله”، ومن خلال خيار القفز فوق السياسة الرسمية هذا، باعتراف نصرالله شخصيا، يتسبب للبنان بمضاعفات شديدة السلبية، بدليل أنه لم يسلم من بعض “الهزات الارتدادية” الناتجة عن المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران وأذرعها الإقليمية، ما يعني أنه يبدو المتضرر الأكبر من هذه الهزات.
وتشدد المصادر على أن أهم، لا بل أخطر، ما في تجاوز “إعلان بعبدا” بهذا الشكل العلني والواضح يتجاوز الكباش السياسي ومحاولات القنص في اتجاه عراب هذا الإعلان، سليمان من جانب خصومه المعروفين، ليبلغ حد الإمعان في إضعاف لبنان ومناعته، فيما هو يبدو في أمسّ الحاجة إلى ترسيخ استقراره الأمني والسياسي لبحث الملفات الشائكة، بينها السلاح الذي يعتبره البعض غير شرعي، طبقا لما طالب به أكثر من مسؤول دولي زار لبنان في الفترة الأخيرة، أبرزهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي طالب بالتزام سياسة النأي بلبنان عن صراعات المحاور وعدم “الاستجابة للضغوط التي يمارسها الإيرانيون وحلفاؤهم على لبنان”.
وفي الانتظار، تعتبر المصادر أن الصورة المحلية الهشة المطبوعة بالمناكفات تتطلب العمل على تكريس سياسة التحييد وترسيخها، تزامنا مع مبادرة حوارية تجمع الأفرقاء لتدارس سبل طي الخلافات والصراعات القائمة على المناكفات السياسية المعهودة، تمهيدا لإعداد العدة لمواجهة تطورات المنطقة من جهة، ولإطلاق مسار تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر” من جهة أخرى.