بينما كان لبنان يواجه تحديات ديموغرافية واقتصادية وأمنية هي الأصعب في تاريخه الحديث، نتيجة اندلاع الحرب في سوريا، التي حوّلت أرضه ملجأً لمئات آلاف السوريين الهاربين من المعارك والقصف، تقاطروا إليه في شكل “عشوائي” عجزت الدولة عن ضبطه وتنظيمه، قرر المجتمع الدولي عدم تركه وحيدا، فاستجاب لدعوات الرئيس ميشال سليمان آنذاك، وكانت ولادة “المجموعة الدولية لدعم لبنان” في أواخر أيلول 2013، في مؤتمر دولي رفيع رأسه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حينها وسليمان، بمشاركة وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
منذ إبصارها النور، وضعت هذه المجموعة لبنان تحت جناحيها، وواكبت التطورات والاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية والانسانية، فيه، من كثب، وكانت لها مواقف وبيانات تباعا، عند كل استحقاق وحدث داخلي. وفي أكثر من محطّة، تُرجم هذا الدعم مساعدات مالية وعينية ومادية، قدّمتها عواصم القرار المشاركة في المجموعة للبنان لمساعدته على الصمود تحت ثقل أعباء وأعداد النزوح. كما نظّمت مؤتمرات دعمت الجيش اللبناني ومدّته بالسلاح والعتاد ليتمكّن من إبقاء الوضع الداخلي مضبوطا ومواجهة التهديد الإرهابي الذي كان يتربّص به في السنوات الماضية.
وفيما كان سفراء الدول المنضوية تحت لواء المجموعة يجولون في شكل دوري على المسؤولين اللبنانيين، متنقلين بين بعبدا وعين التينة والسراي، عارضين للمستجدات ومقدّمين النصائح لتفعيل الدعم الدولي ووتيرته، تقول مصادر سياسية مراقبة، لـ”المركزية”، إن نشاطهم “الجَماعي” على الساحة المحلية سجّل تراجعا في الأشهر الماضية. هذه “البرودة” التي أصابت همّتهم تعزوها المصادر إلى كون السفراء قالوا ما لديهم وإلى كون المسؤولين اللبنانيين باتوا يعرفون جيدا ما هو المطلوب منهم كي تستعيد مجموعة الدعم زخمها وحيويّتها.
فالدعم الاقتصادي “الاستثماري” الذي خصصته لبيروت في مؤتمر “سيدر” العام الماضي ينتظر إصلاحات وموازنة نوعية رشيقة تضع لبنان على خط النمو. غير ان هذه الاجراءات، على أهمّيتها، لا تكفي وحدها للفوز بأموال الدول المانحة.
فسفراؤها والمسؤولون الامميون والدوليون الذين يتعاقبون على زيارة لبنان يتحدّثون كلّهم بلسان واحد عن سلسلة خطوات يتعيّن على لبنان اتخاذها، أوّلها اعتماد سياسة النأي بالنفس فعلا لا قولا، ووقف بعض الفصائل اللبنانية وعلى رأسها “حزب الله” تدخلاتها العسكرية والسياسية في قضايا ونزاعات الاقليم والعالم. وثانيها، إقرار استراتيجية دفاعية تنتهي بحصر السلاح المتفلّت بيد الجيش اللبناني والاجهزة الامنية الشرعية فحسب، وتعيد قرار الحرب والسلم الى كنف الدولة وحدها. وثالثها، الالتزام بتطبيق القرارات الدولية وأهمّها الـ1701 الذي يمنع اي نشاط مسلّح جنوبي الليطاني.
بحسب المصادر، اعادة تفعيل حركة المجموعة داخليا – في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان لاسيما ماليا واقتصاديا وأمنيا أيضا في ظل التقلبات السريعة التي تشهدها المنطقة – أمر أكثر من ضروري. غير ان ذلك يبدو مربوطا بتطبيق لبنان ما تعهّد القيام به أمام المؤتمرات الدولية، وإلا فإن جولاتهم ستكون مخصصة فقط لتكرار رسائل ومطالب بات أهل الحكم يعرفونها عن ظهر قلب، لا أكثر.