ضغوط معيشية واجتماعية ونفسية يواجهها المواطن اللبناني في حياته اليومية تُتَرجم بإرتفاع معدلات الاكتئاب الى 9,9% اي 1 من اصل 10 استناداً إلى دراسة وطنية أجرتها IDRAAC بالتعاون مع جامعة هارفارد ضمن دراسة الصحّة النفسية العالمية. كما ان 17,2% من اللبنانيين قد يصابون بالإكتئاب قبل عمر الـ75.
حالة من اليأس والاستسلام تنتاب معظم اللبنانيين، لاسيما جيل الشباب نتيجة سلسلة من الأزمات الحياتية التي تعصف باحلامهم. فالمشكلات الاقتصادية والمالية وارتفاع معدلات البطالة وتوقّف قروض الاسكان وكارثة النفايات التي تجرّ وراءها انتشار الأوبئة والأمراض المُزمنة وغلاء الأسعار الذي يزحف نحو الأقساط المدرسية والمستلزمات الغذائية واسعار الدواء وارتفاع فاتورة الطبابة والاستشفاء، وغيرها من مقوّمات الحياة التي باتت تكلّف المواطن اللبناني ثمناً باهظاً لتأمينها، ناهيك عن تلوّث المياه وانقطاع الكهرباء، كلّها اسباب مباشرة تدفع اللبناني الى الاستسلام وإعلان الهزيمة في وطن لم يعد يتّسع لابسط مقوّمات الحياة.
إحباط واضطرابات واكتئاب: ولا يبدو ان الاحباط وحده ينتشر بين اللبنانيين، اذ يجرّ معه القلق والاضطرابات النفسية والاكتئاب.
واوضح رئيس جمعية الزهايمر لبنان AAL والرئيس بالوكالة لدائرة طب النفس وعلمه في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي في بيروت وكلية الطب في جامعة البلمند، الدكتور جورج كرم لـ”المركزية” “ان 16,7% من اللبنانيين يعانون من اضطرابات القلق”، واشار الى “ان هناك رابطاً بين الإكتئاب والقلق، بحيث ان الهرمون المتعلق بالقلق والإكتئاب هو نفسه”.
طرق المعالجة: هذه الارقام التي تعتبر “مرتفعة” في بلد صغير جغرافياً وعدد سكانه لا يتخطى الاربعة مليون ونصف، يُمكن تجنّبها وتخفيض معدلاتها عبر اتّباع طرق علاجية اساسية.
فالى العلاج النفسي وضرورة استشارة اختصاصيين في حال الشك بإضطرابات نفسية او عبر الأدوية، تحدّث الدكتور جورج كرم عن طرق للوقاية من الوقوع في شباك الاحباط والاكتئاب لعل ابرزها اتّباع نظام حياة صحي كممارسة الرياضة بانتظام وتناول الطعام الصحّي، فضلاً عن ممارسة نشاطات ترفيهية واجتماعية، لأن “الرابط الإجتماعي مهم جداً للوقاية من المشاكل النفسية”.
ولم يستبعد الدكتور كرم ان يؤدي الاكتئاب والاحباط الى الانتحار كما الى مشكلات جسدية وطبية”.
ارقام مُفاجئة! غير ان هذه الارقام “فاجأت” الباحثة في علم الاجتماع السياسي الدكتورة نهلا الشهّال لجهة نسبتها المتدنّية. فبرأيها بلد يفوق معدل دينه العام المئة مليار دولار يجعل من نسبة الاحباط والاكتئاب مرتفعة كثيراً. واشارت لـ”المركزية” الى “ان فقدان الثقة والامل بالبلد جعل من ابناء الطبقة الفقيرة يلجأون الى المخدرات بعدما اقفلت امامهم طريق الهجرة، في حين ان ابناء الطبقة الوسطى يهاجرون بحثاً عن فرص عمل”.
ويعاني لبنان من تردّي الاوضاع الاقتصادية والمالية من دون ان تظهر في الافق حلول جدّية وجذرية تُعيد ترميم ما ارتكبته الطبقة السياسية بحق اللبنانيين وحقوقهم البديهية، اذ تُغدق عليهم الوعود مع كل استحقاق انتخابي لتتحوّل لاحقاً الى شعارات لا تُصرف في ميزان مصالحهم الطائفية والحزبية.
وسألت الدكتورة الشهّال “اذا كان الاحباط والاكتئاب منتشرين الان بشكل كبير بين اللبنانيين فكيف ستكون الحال اذا وصلنا الى الانهيار التام للبلد (بات برأيها قريباً) من الناحية الاقتصادية والمالية”؟
البطالة امّ المصائب: وتعتبر البطالة أمّ المصائب التي يرزح تحتها الشباب اللبناني لما لها من انعكاسات على المواطن من حيث الاحساس بعدم الاستقرار والأمان ما دفعهم الى الهجرة بحثاً عن لقمة العيش. وفي دراسة حديثة صدرت منذ اشهر، فان عدد اللبنانيين الذين هاجروا في العام 2018 بلغ 34 ألفا و502 شخصاً، من دون أي عودة إلى الوطن، فيما كانت حصيلة عام 2017، مغادرة 18 ألفاً و863 لبنانياً، فيما عام 2016، كان العدد 11 ألفا و650 شخصاً.