Site icon IMLebanon

هذا ما تضمنته رسالة عون الى المفتي!

كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:

إختار رئيس الجمهورية ميشال عون إختصار المسافة في علاقته مع الطائفة السنّية، وقرّر مقاربة هواجسها مباشرة عبر تفعيل التواصل بينه وبين مرجعيتها الدينية المتمثلة في «دار الفتوى»، خصوصاً بعدما لاحظ أنّ بعض المخاوف والمواقف تُبنى في أحيانٍ كثيرة على «أخطاء شائعة» أو تأويلات غير دقيقة، وليس على حقائق مُثبَتَة.

إستشعر عون أنّ هناك من يتعمّد تشويه الوقائع والنيّات، ويصوّر بأنّه و»التيار الوطني الحر» يسعيان الى قضم صلاحيات رئيس الحكومة سعد الحريري وإضعافه، وصولاً الى استعادة مجد المارونية السياسية. وقد اتت بعض المواقف المنسوبة أخيراً الى الوزير جبران باسيل لتعزّز هذا الاعتقاد لدى عدد من الاوساط السنّية، ومن بينها دار الفتوى، خصوصاً انّ البعض لا يكف عن «ضخ» الوساوس في أذن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وسط حضور ضعيف لـ«الرأي الآخر» في الدار.

أمام هذا الواقع، حرص عون على إيصال «رسالة دافئة» الى المفتي دريان، عبر موفده، تضمنت تفكيكاً للالتباسات والهواجس وتشديداً على التمسّك بالمسلمات والثوابت، بعيداً من «الاجتهادات» والفرضيات التي تعتمد على القراءة في الفنجان والكف.

وتؤكّد مصادر رئيس الجمهورية، انّ المفتي سمع بوضوح أنّ «لا نيّة بتاتاً لدى عون او باسيل لتحجيم موقع الحريري ودوره، وانّ كلاهما يتمسّك بمواصلة التعاون معه كشريك قوي في السلطة، غير مغلوب على أمره، انطلاقاً من قاعدة «حكم الأقوياء» التي لطالما نادى بها عون و»التيار الحر» تطبيقاً للميثاقية الصحيحة، وبالتالي لا يوجد قرار على أي مستوى باستهداف الحريري الذي نريد أن ننفذ وإيّاه برامج عدة للنهوض بلبنان، مع الإشارة الى أنّ المطلوب منه في الوقت نفسه عدم التأثر بما يضخّه المحرّضون والمتضررون الذين يقيمون على أرصفة «بيت الوسط».

وتلفت المصادر، الى «انّ رئيس الحكومة يتكلّم باسم لبنان في المحافل الاقليمية والدولية، لكن رسم السياسات الخارجية هي من اختصاص مجلس الوزراء مجتمعاً، على ان يتولّى رئيسه التعبير عنها»، مشددة على «أهمية الالتزام بهذه المعادلة في مقاربة نزاع المحاور الذي يتحكّم بالمنطقة».

وتضمنت الرسالة الرئاسية الى المفتي تأكيد عون أنّه «ليس موافقاً على الخطاب المرتفع النبرة والسقف، من اي جهة أتى، مع ضرورة التنبّه في الوقت نفسه الى وجوب عدم التأسيس على كلام غير موثوق المصدر، يجري تحويره ونسبه زوراً الى من لم يدل به أصلاً، وذلك لتحقيق غايات سياسية. (في إشارة الى ما حصل مع باسيل اخيراً)».

بدا دريان متفهماً هذا الطرح، موضحاً انّه لا يكره باسيل، إلاّ انّ ذلك لم يمنعه من شرح ملاحظاته على بعض المسائل بغية تصويب النهج المعتمد وحماية التسوية السياسية من الخلل وخطر التصدّع، داعياً الى المحافظة على «اتفاق الطائف» وصلاحيات رئيس الحكومة.

وشرح الموفد الرئاسي للمفتي «انّ باسيل هو رئيس لتكتل كبير يضمّ 29 نائباً و11 وزيراً، ولا يمكن ان يستأذن رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة كلما اراد ان يتكلم»، مشيراً الى «انّ مصيرنا الحتمي التفاهم في مواجهة تحدّيات المنطقة التي لا يمكن التصدّي لها عبر البناء على مواقف مجتزأة وتسريبات مغلوطة». وأبلغ دريان الى ضيفه انّه كان يخطّط لتصعيد لهجته في خطبة الجمعة، الاسبوع الماضي، للردّ على التعرّض للحريري والطائفة السنّية، إلاّ انّه عاد وعدل عن الامر وخفّض وتيرة الخطبة بعد التوضيحات التي صدرت في هذا الصدد.

وللدلالة على «إيجابية» عون حيال الحريري، يروي القريبون من رئيس الجمهورية كيف انّه عمد الى استرداد مشروع قانون تعديل دستوري كان الرئيس السابق ميشال سليمان قد وضعه قبل انتهاء ولايته، وأحاله الى الحكومة لترفعه الى مجلس النواب، مشيرين الى انّ عون قرّر استرداده لأنه يعتبر انّ اي تعديل دستوري يتطلب توافقاً وطنياً «وهو بذلك يكون قد خفّف الحرج عن الحريري الذي وجد هذا المشروع أمامه بعد توليه رئاسة الحكومة». ويوضح هؤلاء، «انّ دار الفتوى تبلّغت من موفد رئيس الجمهورية انّ عون حريص على استخراج الحلول والمعالجات من رحم «اتفاق الطائف» والدستور، وهو ملتزم احترام بنود الدستور والتعهدات الوطنية الاخرى الواردة في «وثيقة الوفاق الوطني»، وليس أدلّ الى ذلك من الطريقة التي تصرّف بها خلال أزمة الحريري الشهيرة في السعودية».

وأكّد موفد عون للمفتي «انّ المعركة ضد الفساد والارهاب لا تستهدف اي طائفة»، مشيراً الى «انّ الفاسد والارهابي ليس له دين او طائفة»، ومتسائلاً: «هل تقبل سماحة المفتي ان نمتنع عن ملاحقة فاسد إذا كان سنّياً على سبيل المثال؟ فأجابه دريان: بالتأكيد لا».

وشملت الرسالة الرئاسية الى المفتي توضيحاً لنظرة رئيس الجمهورية الى العلاقة بين القضاء والأمن، بعد تفاقم التجاذبات بين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس من جهة والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان و»فرع المعلومات» من جهة أخرى، حيث انّ عون مقتنع بأنّ هناك «علاقة تكاملية بين الامن والقضاء، إنما على قاعدة ان يكون الاول في خدمة الثاني، لا العكس، لأنّ المطلوب بناء دولة الحق والقانون».