كتب حبيب معلوف في “الاخبار”:
تحت ضغط بلوغ مطمر الجديدة طاقته الاستيعابية القصوى خلال شهر، قدّمت وزارة البيئة الى رئاسة مجلس الوزراء «خارطة طريق» للإدارة المتكاملة للنفايات، هي عبارة عن خطة طوارئ جديدة لا تستند الى استراتيجية واضحة، وتتبنّى توسيع مطمر الجديدة، وإعادة فتح مطمر الناعمة بعد تأهيله، وإنشاء مطامر جديدة في مختلف المناطق، وصولاً إلى إنشاء محارق.
رُبّ قائل إن الوزارة ملزمة (مع اقتراب مطمر برج حمود ــ الجديدة من الوصول الى سعته القصوى بعد شهر تقريباً، وجواباً على الكتب الموجهة من رئاسة الحكومة ومجلس الانماء والاعمار بهذا الشأن) بتقديم تصوّر ما للحلّ. إلا أن ذلك لا يخفف من تقصيرها في المباشرة بدرس الاستراتيجية فور إقرار خطة الطوارئ (عام 2016) التي يجمع الكل على سوئها! وبالتالي، فإن أي «خارطة طريق» ينبغي ان توضع للوصول الى مثل هذه الاستراتيجية لا إلى خطة طوارئ جديدة!
تألف «خارطة الطريق» التي رفعها وزير البيئة فادي جريصاتي الى رئاسة مجلس الوزراء في 3/6/2019 من صفحتين فقط، وهي مرفقة بمستندات تتعلق بمشروع قانون الأحكام المالية، ولائحة بالمراسيم والقرارات التطبيقية للقانون 80/2018، وخريطة المطامر الصحية المقترحة، وخريطة أخرى بمعامل الفرز والمعالجة المتوافرة وتلك التي هي قيد الإنشاء، إضافة الى أسس المناقصات المقترحة لتشغيل معامل الفرز والمعالجة القائمة وتلك التي هي قيد الإنشاء. تغطي الخارطة الفترة 2019 ــ 2030، ويفترض أن تقفل المكبّات العشوائية خلالها ويعاد تأهيلها وفق الأولويات. وهي قُسّمت إلى مرحلتين، تبدأ الأولى فور إقرار الحكومة للخارطة (2019 ــ 2020) لأعمال الطمر الصحي عوضاً عن الكبّ العشوائي، وتشغيل معامل الفرز والمعالجة القائمة وتأهيلها، والثانية (2021 ــ 2030) لإعداد دراسات تقييم الأثر البيئي لتقنية التفكك الحراري أو المحارق (2019 ــ 2020) وإعداد المناقصات والتلزيم (2021) والإنشاء (2022 ــ 2024) والتشغيل والصيانة والمراقبة (2025 ــ 2030). مع الملاحظة أن فترة تشغيل المحارق (6 سنوات) قصيرة جداً قياساً بالكلفة المتوقعة لإنجاز الدراسات والانشاء والتشغيل والمراقبة، وهذا اذا ما تم الالتزام بدفاتر شروط قاسية، وهو امر مستحيل في بلد فوضوي كلبنان، ما يشير الى أن واضعي الخارطة إما أنهم لا يعرفون عمّا يتحدثون، أو انهم غير مقتنعين تماماً بإمكان تحقق خيار المحارق في لبنان!
توسيع مطمر الجديدة
المرحلة الأولى، كما هو مقترح في الخارطة، تنطلق من أمر «طارئ» (كان معروفاً) يتعلق بنهاية القدرة الاستيعابية لمطمر الجديدة في تموز المقبل، ومطمر «كوستابرافا» في كانون الثاني 2022، اضافة الى وجود 941 مكباً عشوائياً في المناطق (وفق مسح عام 2016). وكما كان متوقعاً، فإن وزارة البيئة لم تقم بأي مراجعة (من أجل المحاسبة) لأسباب فشل تطبيق الخطة الطارئة للعام 2016 وحجم الانبعاثات والعصارة التي أنتجتها، ولماذا انتهت القدرة الاستيعابية للمطامر قبل أوانها، وكيف هدر المال العام والأملاك العامة. كما لم تتطرّق إلى سبب تأجيل خيار توسيع مطمر الجديدة (مع توسيع «كوستابرافا») قبل الانتخابات النيابية الاخيرة، وكيف سيصبح مقبولاً اليوم ما كان مرفوضاً بالأمس؟
أكثر من ذلك، تشير الخارطة الى أن وزير البيئة الحالي يتبنّى سياسة سلفه لجهة الإعلان عن عجز البلديات عن إيجاد حلول ذاتية لمشكلة النفايات (للاستغناء عن خطط الطوارئ)، من دون مراجعة أسباب الفشل، رغم إدراك الجميع أن العلة ليست في البلديات، بل في السلطة المركزية التي لم تعرف بعد كيف تضع استراتيجية وخططاً لامركزية تحدد فيها أدوار البلديات من ضمن خطة متكاملة.
مطامر جديدة
تطالب الخارطة مجلس الوزراء بتكليف مجلس الانماء والاعمار تلزيم إنشاء مطامر صحية جديدة وفق الآتي:
– عكار ولبنان الشمالي: إنشاء مطمرين في دير عمار (الضنية) ومجدليا (زغرتا) يضافان الى مطمري سرار وطرابلس القائمين حالياً.
– بعلبك ــ الهرمل: مطمران في الهرمل وبتدعي (دير الاحمر) الى مطمر بعلبك.
– البقاع: ثلاثة مطامر في زحلة وبر الياس وجب جنين تضاف الى مطمري قوسايا ومجدل عنجر.
– كسروان ــ جبيل ــ المتن ــ قسم من بيروت: توسيع مطمر برج حمود ــ الجديدة (مكان مرفأ الصيادين) ليضاف الى مطامر حبالين وغسطا.
– بعبدا ــ الشوف ــ عاليه ــ القسم المتبقي من بيروت: مطمران في بعاصير وضهر المغارة (الجية) يضافان الى الغدير، مع إعادة فتح مطمر الناعمة.
– لبنان الجنوبي والنبطية: إنشاء مطامر في شقرا ــ برعشيت (بنت جبيل) ومزرعة بصفور (النبطية) والمجيدية (حاصبيا) والمروانية (صيدا)، تضاف الى مطمر الكفور (النبطية).
كما تطلب الخارطة تكليف مجلس الانماء والاعمار بإعداد دفاتر شروط تشغيل المعامل القائمة، وتأهيل معامل أخرى للفرز والتسبيخ لاسترداد الطاقة والتخمير اللاهوائي والمعالجة الحرارية والحرق والطمر (خلال مهلة 3 أشهر)، وإعداد دراستي تقييم أثر بيئي لإنشاء معملي تفكك حراري في موقعين على الساحل، أحدهما جنوب بيروت (الجية أو الزهراني) والثاني في دير عمار.
توسيع مطمر برج حمود ـــ الجديدة وإعادة فتح مطمر الناعمة
وفي ما يتعلق بالتمويل، تقترح وزارة البيئة تحديد سقف لأي نسبة تقرر الحكومة اقتطاعها من عائدات البلديات من الصندوق البلدي المستقل، تقسيطاً لقيمة عقود ادارة النفايات الصلبة الموقعة منذ عام 1997 بين الدولة والشركات المشغلة، بأربعين في المئة من قيمة هذه العائدات. كما تطلب أن يجاز للحكومة استرداد كلفة تمويل ادارة النفايات عن طريق رسوم مباشرة للإدارة المحلية (للجمع والنقل) وغير مباشرة للخزانة لتغطية كلفة المعالجة النهائية، إضافة إلى رسوم على المنتجات المستوردة التي تصبح نفايات بعد استخدامها، وضرائب (حول مسؤولية المنتج) وحوافز مالية بقيت غامضة ولم يتم تحديدها.
واللافت أن الخارطة تضع مسؤولية «التخفيف» من النفايات على الأفراد، ما يعني ان الوزارة لم تدرك معنى مبدأ التخفيف الذي تبنته في مسودة الاستراتيجية. فوفق هذا المبدأ، يفترض أن تكون لـ«التخفيف» أولوية على مبدأ «الملوث يدفع»، وبالتالي ليست الضريبة سبيلاً لاسترداد كلفة المعالجة (التي يفترض أن تتضاعف إذا كان الحرق خياراً مطروحاً)، بل هي وسيلة ضغط لتخفيف إنتاج النفايات أساساً.
يبدو واضحاً أن تأجيل النقاش الاستراتيجي حول كل القضايا، ولا سيما النفايات والمياه، بات مقصوداً لتمرير مشاريع كبرى تحتاج الى كثير من التمويل والديون، فيما تستند «خارطة الطريق» المطروحة الى «مسودة» استراتيجية، حصلت «الأخبار» على نسخة منها، تتألّف من 59 صفحة، لم تدخل في تفاصيل مكوّنات النفايات وكيفية منع تولدها. وهي، على العموم، لا تزال تحتاج الى كثير من النقاش قبل أن تصبح جاهزة لعرضها على مجلس الوزراء. إلا أن ذلك لا يبرّر طرح خطط طوارئ جديدة تحت ضغط بلوغ مطمر الجديدة أقصى طاقته الاستيعابية. رغم ذلك، لا يتوقع أن يكون إقرار هذه الخارطة سهلاً في ظل الاعتراضات داخل الحكومة وخارجها، وهو ما بدأت طلائعه مع في منطقة اقليم الخروب مع الرفض المتوقع لإعادة فتح مطمر الناعمة وانشاء مطمر في الجية ومعمل تفكك حراري مكان محطة توليد الكهرباء.