في اتجاهات ثلاثة صوَّب رئيس الحكومة سعد الحريري العائد للتو من الخارج، حيث أمضى اجازة كان يسعى ان ينعم خلالها بشيء من السكينة والهدوء بعيدا من صخب السياسة وازمات الاقتصاد وهموم الموازنة، فنغصتها السجالات التي الهبت المشهد السياسي عموما والعلاقات بين اركان التسوية في شكل خاص وكادت تشعل الشارع بنيران الفتنة المذهبية. وجد الحريري نفسه فور العودة امام واقع لا بدّ من الاقدام على “شيء ما” ازاءه، تلافياً لانزلاقة تطيح كل التضحيات التي قدمها في سبيل منع انهيار البلد منذ قرر الانخراط في التسوية الرئاسية وصولا الى تشكيل الحكومة، فكانت اطلالته في المؤتمر الصحافي مثابة نقطة تحوّل ستحرف البوصلة من حال التشنج والتوتر الذي بلغ الذروة الى عودة الامور الى ما كانت عليه قبل “زلة باسيل”.
الاتجاه الاول الرئيسي محوره وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الذي للمرة الاولى منذ ابرام التسوية سمّاه الرئيس الحريري بالاسم واستخدم عبارات هي الاولى من نوعها في قاموس الخطاب عن باسيل فـ” لا يجوز أن يدار البلد بالبهورة وزلات اللسان وبسقطات ندفع ثمنها من علاقاتنا واقتصادنا واستقرارنا الداخلي. التصويب الحريري المباشر على باسيل لم يلق اي رد مباشر او حتى غير مباشر ما أوحى بان حركة اتصالات قد يكون دخل على خطها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، وضعت حدا للانزلاق ورسمت خريطة طريق للتعاطي السياسي في المرحلة المقبلة، محطة انطلاقها، زيارة وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي الى دار الفتوى امس الاول، ثم وفد لجنة العمل الوطني والمكتب السياسي في “التيار الوطني الحر” ممثلا الوزير باسيل. فالرئيس عون هو “الضمانة” بحسب الحريري، فيما باسيل في موقع آخر، ولو ان رئيس الحكومة حاول تمرير ” باس” له باشارته الى ان ” أفضل ما قام به باسيل أن نفى الكلام”، ولو انه تمنى “لو اتى النفي فور نقل الكلام”.
في مطلق الاحوال، تعتبر المصادر ان ما جرى لا بدّ انه فعل فعله لجهة عدم تكرار “زلات اللسان هذه” ومحاولة العزف على وتر المذهبية في الشارع السنّي الذي خبِر الوزير باسيل اكثر من غيره ردات فعله ازاء اي محاولة للتعرض له ولو كلامياً، وبناء عليه، يتوقع ان يكون مؤتمر الحريري وضع حدا فاصلا بين مرحلتي ما قبله وما بعده، لضمان استمرار التسوية مع تحسين الشروط، صونا للاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، “فالبديل عن التسوية سيكون المجهول”، على ان تبقى العبرة في التنفيذ.
الاتجاه الثاني في مؤتمر رئيس الحكومة ذو وجهين، الاول يتصل بالرد على موقف امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي انتقد فيه موقف لبنان الذي عبر عنه الحريري في قمة مكة ازاء رفض تدخل ايران في الشؤون العربية، فقال في هذا المجال في موقف لافت يكاد يكون الاول من نوعه في سياق المواجهة مع نصرالله بعد مرحلة طويلة من ربط النزاع، “يجب أن يكون معلوما لكل اللبنانيين أن العلاقات مع الاشقاء العرب ليست خاضعة لمزاج بعض القوى والأحزاب والقيادات. إذا كان اول سطر في الدستور يقول إن لبنان بلد عربي، فهذا لأن لبنان عربي وعضو مؤسس لجامعة الدول العربية، والاولوية بعلاقاته هي للاشقاء العرب وليس لأي محور اقليمي”. اما الوجه الثاني فتناوله من باب الرد على نصرالله ايضا لكن من زاوية صلاحيات رئيس الحكومة بقوله “من المفيد أيضا التذكير أن في الدستور، عندما يقف رئيس الحكومة على أيّ منبر عربي أو دولي، فهو يتحدث باسم كل لبنان. وأنا حضرت قمة مكة المكرمة باسم لبنان، وألقيت كلمة لبنان، ووافقت على قرارات القمة باسم لبنان. كلمتي وموقفي في مؤتمر مكة هما قمة الالتزام بالبيان الوزاري وبالنأي بالنفس وبمصلحة البلد، ومن يرى غير ذلك، ليعد إلى الكلمة والقرارات، ولكل قرارات القمم العربية السابقة ويتأكد من يخرق النأي بالنفس”.
ثالث الاتجاهات تضيف المصادر، مركزه الرئيسي الشارع السنيّ الغاضب، الشديد الحاجة الى تنفيس احتقانه، ومحاولة امتصاص الغضب الذي تسبب به ” بعض الشركاء”، على حد تعبيره، كما توجيه رسالة الى “المزايدين والمناكفين” من “أهل البيت المستقبلي” مشيرا الى ” أن من حق أي طرف أن يطمح للوصول إلى رئاسة الحكومة”. وللغاية عمد الحريري الى اطلاق مواقف تصب في خانة تحصين قدراته وتحسين شروطه ضمن التسوية، تحت راية الطائف والعيش المشترك والوحدة الوطنية.
في مطلق الاحوال تختم المصادر، في اللحظة الراهنة وفي خضم التغييرات الاقليمية التي ستلفح رياحها لبنان حكماً، لا بديل من التسوية الرئاسية ولا رئيس حكومة غير الحريري، الى ان يقضي الله امرا كان مفعولاً…