كتب ايلي فرزلي في صحيفة “الاخبار”:
تسير لجنة المال النيابية في طريق إسقاط كل المواد التي تطاول الطبقات الفقيرة. فبعد إلغاء تكليف صغار المستثمرين بالضريبة على القيمة المضافة، كان الموعد أمس مع إلغاء تكليف المتقاعدين بضريبة الدخل. وهذا السياق تحديداً هو ما استفزّ الرئيس سعد الحريري، فما كان من أعضاء اللجنة إلا أن أعطوه درساً في الفصل بين السلطات
يوم أمس، بدأ اجتماع لجنة المال والموازنة النيابية مختلفاً عن الجلسات السابقة. بالنظام، تحدث أكثر من عشرة نواب معبّرين عن رفضهم وصف رئيس الحكومة لعملهم بالمسرحية. كان هؤلاء من كل الكتل النيابية. صحيح أن نواب «المستقبل» آثروا عدم الكلام، إلا أنهم أيدوا، كما كل زملائهم، تكليف رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان تسجيل تحفظ علني على كلام الحريري، مؤكدين «أنّنا لسنا للبصم ولسنا موظّفين عند أحد باستثناء الشعب اللبناني». ولأن ما قاله الحريري يشكل سابقة في تعامل السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية ومع مبدأ فصل السلطات، فقد ردّ عليه أعضاء اللجنة، عبر رئيسها، بالقول: «في ظلّ نظامنا الديمقراطي، أهمّ وظيفة يقوم بها المجلس النيابي هي الرقابة البرلمانية، بخاصّة عندما تُحال الموازنة على المجلس»، وبالتالي إن اعتبار ما يقوم به المجلس مسرحية، إنما يعني أن مفهوم الدولة غير موجود عند الحريري. وأكثر من ذلك، قال كنعان لـ«الأخبار» إنهم «إذا ظنوا أنهم بحكوماتهم التوافقية يلغون المجلس النيابي فهم مخطئون». كذلك لمّح كنعان في مؤتمره الصحافي إلى «الخدمة» التي قدّمتها اللجنة للحريري أثناء مناقشة موازنة 2018، حيث عملت بأقسى طاقتها لإنجازها قبل مؤتمر «سيدر»، مشيراً إلى أنه لولا إقرار موازنة عام 2018 مع توصياتها الـ38، التي لم يحترم منها شيء، لما كان «سيدر». وذكّره أيضاً بأن «المؤتمر ليس أرقاماً، بل إصلاحات، وبالتالي إن التحجج به لضرب عمل اللجنة لا يقع في موقعه السليم».
ثبّت النواب قاعدتهم هذه في وجه الحريري، ثم عادوا إلى المشروع الذي بين أيديهم. أخذت المادة 22 ساعات طويلة من النقاش. تلك مادة إشكالية تتعلق بتعديل المادة 58 من قانون ضريبة الدخل. والتعديل ينقسم إلى قسمين: الأول يتعلق بوضع شطر جديد على الرواتب، هو شطر الواردات التي تزيد على 225 مليون ليرة (نسبة الضريبة 25 في المئة)، علماً أن التشطير الحالي يقسم الرواتب إلى 6 شطور ترتفع الضريبة عليها توالياً لتصل إلى 20 في المئة على الشطر الذي يزيد على 120 مليون ليرة.
وإذا كان النواب يجمعون على تأييد هذا القسم من التعديل، فإن إجماعهم جاء في المقابل ليرفض القسم الثاني من التعديل، وهو يتعلق بتطبيق هذه الشطور للمرة الأولى في التاريخ على معاشات التقاعد، وليس الرواتب والأجور فقط.
لكن مقابل هذا الإجماع أصرّ الوزير علي حسن خليل على الدفاع عن هذه المادة. حجته أنها لا تكلف العكسريين المتقاعدين على سبيل المثال أكثر من 3000 ليرة في الشهر، فيما يرتفع هذا المبلغ إلى 400 ألف ليرة بالنسبة إلى العمداء، سائلاً: أي دولة في العالم تعطي المتقاعد 85 في المئة من الراتب؟
وبعدما بدا أن هذا التصريح قد أسهم في تخفيف حدة الاعتراض، جاءت مداخلة النائب جميل السيد لتقلب المعادلة. ومما قاله السيد أنه «قبل مدّ اليد إلى أموال الموظفين والعسكريين الذين فدوا الوطن بدمائهم، مدوا يدكم إلى مرفأ بيروت وإلى أوجيرو وإلى الريجي، حيث يمكن أن تصل قيمة التعويض إلى مليون دولار للموظف الواحد». أضاف: «ادخلوا إلى هذه المحميات ثم عودوا إلى العسكر».
وفي السياق نفسه، عاد النائب جهاد الصمد للمرسوم الاشتراعي رقم 144 الصادر في عام 1959، الذي ينص على أن «معاشات التقاعد تُمنح وفقاً لقوانين التقاعد وأنظمته». واستشهد بقرار للمجلس الدستوري الصادر في 14 أيار 2018، الذي جاء فيه: «إن النصوص التي تُعدِّل قانوناً سبق إقراره ينبغي أن تنضوي في صلب القانون المعدّل لكي يسهل الاطلاع عليها ولا يجوز أن تُدس في قانون الموازنة العامة». وأكد في قراره أن «قانون الموازنة العامة يختلف بطبيعته عن القوانين العادية، ولا يجوز بالتالي أن تعدّل هذه القوانين من ضمنه، لأن في ذلك خروجاً على أصول التشريع».
كذلك استشهد النائب أنور الخليل بقرار آخر صادر عن المجلس الدستوري في عام 1999 في الإطار نفسه، فكانت النتيجة أن بقي وزير المالية وحيداً في جبهة الدفاع عن هذه المادة، المخالفة، من حيث المبدأ، لقانون المحاسبة العمومية، الذي يعتبر أن الموازنة «صك تشريعي تقدّر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة وتجاز بموجبه الجباية والإنفاق، كما تضم الأحكام الخاصة التي لها علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة».
كل ما سبق أدى إلى عودة مَن كان متردداً إلى موقعه الرافض لفرض ضريبة الدخل على معاشات التقاعد. وهو ما أسهم في توتر خليل ورفعه الصوت، متهماً النواب بأنهم يريدون أن ينسفوا الموازنة وأن يحموا أصحاب الرواتب العالية. وقبل أن يهمّ بالخروج من الجلسة، أعلن رئيس اللجنة عدم الأخذ بالتصويت، مصراً على التفاهم على آلية لإلغاء المادة في الشق الذي يتعلق بالمتقاعدين والإبقاء على التعديل الذي اقترحته الحكومة في ما يتعلق بزيادة شطر إضافي على الرواتب. وعليه، ثبت اتفاق نهائي بعدم الإبقاء على المادة كما هي، لكن مع انتظار أن تدرس مسألة التقاعد بشموليتها، خاصة أن بنوداً أخرى تتناول الموضوع نفسه. وتعهد وزير المالية بأن يقدم أكثر من اقتراح لتعديل المادة.
واللافت أنه في مقابل التهويل بأن أعضاء اللجنة يريدون تطيير الإيرادات، كشف وزير المال أن تكليف المتقاعدين بضريبة الدخل يؤمن إيراداً بقيمة 50 مليار ليرة، وهو ما اعتبره نواب لا يساوي ضبط الإنفاق في أيٍّ من مرافق الهدر العديدة. علماً أن كنعان كان قد أوضح أن اللجنة تعمد إلى المزاوجة بين الناحيتين المالية والاجتماعية أثناء النقاش. وتعهد بأن لا يُلغى أي إيراد من دون تأمين ما يعوضّه.
زيادة الضريبة على الفوائد
في الجلسة المسائية أمس، أقرت لجنة المال المواد المعلقة من 23 إلى 30، ومنها زيادة الضريبة على الفوائد والودائع والسندات، من 7 إلى 10 في المئة. على أن تباشر اليوم بدراسة المادة 41.
وفي الجلسة الصباحية، كان النائب علي فياض قد طالب بإعادة البحث في المادة العاشرة التي تتعلق بدعم مصرف لبنان فوائد القروض الاستثمارية، بعدما سبق أن أقرت معدّلة بالتصويت، حيث أزيلت منها الفقرة التي تعطي مجلس الوزراء صلاحية تحديد الأولويات القطاعية للقروض التي يمنحها المصرف المركزي. ودعا فياض، في مؤتمر صحافي، إلى إقرارها كما وردت من الحكومة، لأن الفقرة الملغاة أهم ما في هذه المادة، خاصة أنها أضيفت لسد ثغرة تشريعية، أسهمت في استخدام هذه القروض في الفترة السابقة استخداماً خاطئاً، فذهب الدعم لغير مستحقيه.