كتب وائل الركابي في صحيفة “الاخبار”:
أعاد الحكم العراقي على 12 «داعشياً» فرنسياً بالإعدام، الحديث عن صفقة محتملة بين بغداد وباريس، في ظلّ سعي الأخيرة إلى إنشاء «محكمة دولية» لمحاكمة جميع المسلحين الأجانب، ومحاولتها تخفيض الحكم إلى المؤبّد
بغداد | أثارت أحكام الإعدام الصادرة عن القضاء العراقي، بحق عدد من مسلحي تنظيم «داعش» الأجانب، صدمة لدى الأوروبيين عموماً والفرنسيين خصوصاً. في باريس، ثمة وجهتا نظر إزاء هذا الملف الشائك. وكالة «فرانس برس» سبق أن أشارت إلى أن استطلاعاً للرأي ــــ أُجري أواخر شباط/ فبراير الماضي ــــ أظهر أن «ثلثي الفرنسيين لا يرغبون في عودة أبناء المسلحين الذين غادروا فرنسا إلى سوريا والعراق، خشية أن يتحوّلوا بدورهم إلى جهاديين في فرنسا»، فيما تصف عائلاتهم ذلك بـ«السخيف»، على اعتبار أن «الأطفال لا يزالون صغاراً جداً». أما الحكومة الفرنسية، فتتمسك برفضها إعادة الراشدين من رجال ونساء، تحت شعار أن «هؤلاء يجب أن يُحاكموا حيث ارتكبوا جرائمهم»، على رغم سعيها على المستوى الأوروبي إلى تأسيس «محكمة دولية» لمحاكمة مسلحي «داعش».
وزيرة العدل الفرنسية، نيكول بيلوبيه، قالت إن بلادها «ناقشت فكرة تشكيل محكمة دولية لمقاضاة المسلحين الأجانب»، مشيرةً، في تصريح إذاعي، إلى أن «الفكرة طُرحت على المستوى الأوروبي مع عدد من الزملاء… في إطار مجموعة فندوم (تضمّ وزراء عدل ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا)». وأضافت أن «المحكمة ليست سوى فرضية عمل، وأنها ستُنشأ في المكان المعنيّ، ليس في سوريا على الأرجح، ربما في العراق»، موضحة أنه يمكن العمل «بمشاركة قضاة أوروبيين وفرنسيين وعراقيين».
الحديث الفرنسي عن محكمة دولية أعاد إلى الواجهة حديثاً سابقاً عن صفقة محتملة بين بغداد وباريس، تدفع بموجبها الأخيرة مليونَي دولار مقابل كل فرنسي يُخفّف عنه الحكم من الإعدام إلى المؤبد. لكن القضاء العراقي نفى ذلك، مؤكداً على لسان المتحدث الرسمي باسم «مجلس القضاء الأعلى»، عبد الستار بيرقدار، أن «العقوبات التي تفرضها المحاكم العراقية تخضع لتدقيق محكمة التمييز فقط، وهي صاحبة الصلاحية بموجب القانون في الموافقة على تلك العقوبة أو تغييرها إلى عقوبة أخرى، بحسب ظروف كل جريمة، وليس بصفقات بين الحكومات».
وبالعودة إلى حديث بيلوبيه، فهي تقرّ بـ«صعوبات» إنشاء محكمة دولية لمقاضاة مسلحي «داعش»؛ «إذ يتعين استحصال موافقة العراق» أولاً، فضلاً عن أن الأمر «سيستغرق وقتاً طويلاً بعض الشيء». وفي هذا الإطار، تتحدث مصادر نيابية عراقية، بدورها، عن «صعوبة تنفيذ المقترح، خاصة بعد شروع القضاء العراقي في محاكمة هؤلاء»، واصفة الحراك الفرنسي الأخير بـ«المناورة المُوجّهة إلى الداخل الفرنسي، لامتصاص تساؤلات المنظمات المحلية عن سبب ترك مواطنيها في العراق يواجهون عقوبة الإعدام».
كذلك، ترى مصادر قضائية أن الحراك الفرنسي «لا يزال في إطاره النظري»، لافتة في حديث إلى «الأخبار» إلى أن «بغداد (إن أُنشئت هذه المحكمة) تفضّل أن يكون مقرّها في الشرق الأوسط، لأن المنطقة (العراق وسوريا) كانت ميدان داعش»، فضلاً عن امتلاك بغداد ودمشق أدلة واضحة على تورّط هؤلاء في القتال ضمن صفوف التنظيم. ووفق المصادر القضائية عينها، فإن الاندفاع العراقي لإنشاء هذه المحكمة «ليس وليد اللحظة… فالسلطات العراقية قدّمت سابقاً طلبات عدة إلى المجتمع الدولي لإنشائها، خصوصاً بعد تراكم عناصر داعش في سجون البلاد، وتصاعد لهجة المنظمات الدولية ضد طبيعة الإجراءات العراقية، وتعاطيها مع ملف الجهاديين».
بدورها، تشاطر «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، بغداد، «تمنياتها» لإنشاء هذه المحكمة في الشرق الأوسط، لكنها تطالب بأن يكون ذلك في شمال شرق سوريا، حيث مناطق نفوذها. وهي بهذا، تريد إضفاء صبغة شرعية على حكم «الإدارة الذاتية»، على اعتبار أن افتتاح محكمة من هذا النوع هناك سيكون بمثابة اعتراف دولي بقوة «قسد» وحضورها، وهو ما ترفضه دمشق رفضاً قاطعاً.
من جهته، يعتقد عضو «لجنة الأمن النيابية» العراقية، عدنان الأسدي، أن «إنشاء تلك المحكمة سيصبّ في مصلحة العراق، لأن الأخير غير منضمّ إلى محكمة العدل الدولية، لذلك لا يحق له إحالة أي ملف عليها، إلا بموافقة الأمين العام للأمم المتحدة، ولهذا ثمة توجه لإنشاء محكمة خاصة بجرائم داعش». ويلفت الأسدي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن حراك باريس أتى بعد إصدار أحكام الإعدام بحق مواطنيها، وهي «أحكامٌ صدرت عن محاكم عراقية، ولا يمكن التراجع عنها، وستأخذ سياقها القانوني، وفي حال إنشاء محكمة جديدة فإنها ستحاكم الدواعش الباقين».