كتب محمد سعيد في صحيفة “الاخبار”:
بينما يعيش حزب المحافظين الحاكم واحدة من أسوأ لحظاته التاريخيّة، يستمر التحالف غير المقدّس بين اليمين البريطاني والسلطات الإسرائيليّة في إشاعة أجواء التخويف من جيريمي كوربن، زعيم حزب العمّال البريطانيّ، وهذه المرّة من خلال الكشف عن ضلوع لندني في مؤامرة مزعومة عبر أربع قارات يروّج لها الموساد ويتهم فيها حزب الله باستخدام مكعبات ثلجيّة لتخزين أطنان من المواد المتفجرة في عام 2015، تمهيداً لأعمال ضد المصالح اليهوديّة. ومن المعروف أن صحف اليمين البريطاني لا تتوقف عن اتهام كوربن بالعداء للساميّة، وبأنه صديق لحزب الله ولحركات المقاومة في الشرق الأوسط.
نشرت صحيفة «ذا تليغراف» البريطانيّة في عددها الأسبوعيّ تقريراً كشفت فيه عن أن جهاز المخابرات البريطانيّة، بالتعاون مع شرطة العاصمة، قد نجحت في أيلول 2015 بإفشال مؤامرة مزعومة لبناء (مصنع) لإنتاج المتفجرات في منطقة إلى الشمال الغربي من لندن. واتهمت الصحيفة «راديكاليين مرتبطين بحزب الله اللبنانيّ» بتخزين آلاف من أكياس المكعبات الثلجيّة التي استخدمت لحفظ مادة كيميائية تستخدم عادة في إنتاج القنابل المنزليّة. وبحسب الصحيفة دائماً، فإن الكميّة التي عثرت عليها الجهات الأمنيّة تجاوزت ثلاثة أطنان متريّة من نيترات الأمونيوم، وهي بذلك تفوق الكميّة التي استخدمت في هجوم أوكلاهوما بالولايات المتحدة قبل 24 عاماً وسبّبت حينها مقتل 169 شخصاً وأضراراً لعشرات المباني.
ويقول التقرير – الذي زعمت «ذا تيليغراف» أنه حصيلة تحقيق مكثف قامت به لثلاثة أشهر وشمل التحدث إلى 30 من الخبراء الأمنيين حاليين ومتقاعدين في بريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى – بأن قوة خاصة من الشرطة دهمت وقتها ثلاثة مصالح تجاريّة وعنواناً سكنياً وألقت القبض على رجل في الأربعينيات من عمره بينما كانت تبحث عن شخص آخر أيضاً. لكن الرجل المعتقل ما لبث أن أُخلي سراحه بعد التحقيق، ولم توجه إليه أيّة اتهامات، ولم يعرف لليوم اسمه أو جنسيته أو حتى ماهيّة الأهداف التي من المفترض أن المتفجرات كان تُعَدّ من أجل إصابتها. ونقل التقرير عن مصادر مطلعة – لم يسمّها – أن المداهمة كانت نتيجة قرار استخباري بإفشال المحاولة، لا إجراء محاكمات علنيّة، ما يلقي بظلال كثيفة على صدقيّة المؤامرة المزعومة، رغم أنّ خبراء قالوا إن السلطات ربما كانت قد توصلت إلى تفاهمات مع الأشخاص المعنيين للحصول منهم على معلومات عن أنشطة الحزب في مقابل منع المحاكمات عنهم.
ومن المعروف أن كثيراً من اللبنانيين طالبي اللجوء السياسي إلى بريطانيا يدّعون أنهم يتعرضون لاضطهاد من الحزب، لأنهم رفضوا المشاركة في أعمال «إرهاب» أو «تبييض أموال»، وهم عادة ما يخضعون لاستجوابات موسعة تختلط فيها المعلومة بالكذب.
ويضيف تقرير «ذي تيليغراف» أنّ شرطة العاصمة أبلغت ديفيد كاميرون – رئيس الوزراء حينها – وتيريزا ماي وزيرة داخليته بالمؤامرة المزعومة، لكن أطرافاً ما في السلطة اختارت التكتم على الأمر، تجنباً في ما يبدو لمنع انهيار الاتفاق النووي الإيرانيّ. وقد استهجن التقرير إخفاء المعلومات بشأن المؤامرة المزعومة عن البرلمان، ولا سيّما أثناء مناقشة النوّاب في شباط/ فبراير الماضي لمسالة حظر ما يسمى الجناح السياسيّ لحزب الله. وكانت بريطانيا قبل ذلك تحظر ما يسمى الجناح العسكري دون السياسيّ للحزب على خلاف الولايات المتحدة الأميركية وكندا ودول الجامعة العربيّة التي تصنّف الحزب المقاوم جماعة إرهابيّة دون تفريق بين الأجنحة. وتدّعي مصادر إسرائيليّة أن تلك السياسة البريطانيّة كانت نتيجة تفاهم غير مكتوب مع الحزب اللبناني لتجنيب الساحة البريطانيّة أيّاً من نشاطاته.
وأشارت «ذي تيليغراف» إلى أن المعلومات التي اطّلعت عليها تشير إلى حدوث المداهمة بناءً على إشارة من جهاز مخابرات أجنبي، أُطلقت على إثرها عمليّة سريّة مشتركة بين المخابرات الداخليّة البريطانيّة وجهاز مكافحة الإرهاب استمرت لعدة أشهر قبل أن تنجح في وأد المؤامرة في مهدها. ونقلت الصحيفة التي تشتهر بانحيازها العلني إلى تل أبيب عن ضابط كبير في المخابرات البريطانيّة – لم تسمّه أيضاً – أن «جهاز المخابرات الداخليّة بشكل مستقل وبالتنسيق الحثيث مع شركاء دوليين نجح في إفشال مؤامرة نيّات سيئة من إيران وعملائها في المملكة المتحدة». لكن عدّة صحف ومواقع إخباريّة إسرائيليّة سارعت إلى نشر محتويات تقرير الصحيفة البريطانيّة قالت إن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) هو الذي حذّر لندن من مؤامرة «مكعبات الثلج».
وبحسب الصحف، فإن مداهمة الـ 2015 لم تكن حادثة معزولة يُوجَّه فيها الاتهام إلى حزب الله اللبناني باستخدام «مكعبات الثلج» لتسهيل تخزين المواد المتفجرة غير المستقرّة، إذ إن اتهامات وُجهت قبل ذلك إلى الحزب بتخزين «مكعبات ثلجيّة» بكميّات كبيرة في تايلند، كما وأُلقي القبض في 2017 على لبناني قيل إن له علاقة بحزب الله كان يبحث عن مورد للمكعبات الثلجيّة في نيويورك بالولايات المتحدّة. وقبل مؤامرة لندن بأشهر قليلة، كانت السّلطات القبرصيّة قد أعلنت القبض على شاب لبنانيّ – كنديّ بعد الكشف عن تخزينه أكثر من 65 ألف كيس من المكعبات الثلجيّة مع ثمانية أطنان من نترات الأمونيوم في قبو منزل كان يقيم فيه، إضافة إلى نسخ من جوازات سفر بريطانيّة مزورة. وادّعت نيقوسيا وقتها أن الرجل اعترف بأن تلك المواد كانت مخصصة لأغراض (إرهابيّة) وبانتمائه إلى الجناح العسكريّ للحزب، وأنّه تلقى سابقاً تدريبات على استخدام الكلاشينكوف. وقد حُكم عليه بالسجن ست سنوات. ويعتقد على نطاق واسع أن تحركات السلطات في تايلاند وقبرص والولايات المتحدة تجاه «المكعبات الثلجيّة» كان نتيجة إشارات من الموساد أيضاً، مع الزّعم أن المتفجرات كانت تجهّز لاستهداف مصالح يهوديّة في تلك الدّول!
المتحدث باسم المكتب الصحفي للسفارة الإيرانيّة في لندن نفى أن تكون لإيران علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، بما احتواه تقرير «ذي تيليغراف»، مشدداً على «أن بلاده تعادي الإرهاب والإرهابيين، وأن مواطنين إيرانيين أبرياء سقطوا ضحايا لأعمال إرهابيّة استهدفتها غير مرّة». واستنكر بشدّة «محاولات لصق تهم إرهاب ببلاده بناءً على معلومات من مصادر غير محددة».
وبينما لم تعلّق صحف لندن الأخرى على تقرير «ذي تيليغراف»، سارعت شخصيات إعلاميّة وسياسيّة بريطانيّة مؤيدة للصهيونيّة إلى الهجوم على جيريمي كوربن الزعيم اليساري لحزب العمال المعارض بوصفه «صديقاً للإرهابيين» ومعارضاً لتصنيف الجناح السياسيّ لحزب الله منظمّة إرهابيّة. ونشرت مواقع إخبارية إسرائيلية تقرير «ذي تيليغراف» مع صور لكوربن.
النخبة البريطانيّة الحاكمة هذه الأيّام مصابة برهاب تزايد احتمالات تولي زعيم يساريّ السّلطة في البلاد إثر الأزمة الخانقة التي يعيشها حزب المحافظين الحاكم وتقزّمه في انتخابات البرلمان الأوروبيّ التي جرت في أيار/ مايو الماضي كما في الانتخابات التكميليّة لمقعد مدينة بيتربورو. لذا، إن إعلامها الرسميّ والخاص متفرّغ للهجوم على الرجل والتخويف من خطورة وصوله إلى رئاسة الحكومة. وتكثّف السّفارة الإسرائيليّة في لندن جهودها في هذا الخصوص بالتنسيق مع أنصارها المتصهينين داخل حزب العمال وخارجه، ويتعرض «كوربن» نتيجتها لاتهامات دوريّة من الجماعات اليهوديّة اليمينيّة بمعاداة الساميّة وبتأييد حركات المقاومة في فلسطين ولبنان. ولا شكّ في أن موعد كشف «ذي تيليغراف» عن مؤامرة «مكعبات الثلج» المزعومة هذه، جزء لا يتجزأ من هذه الجهود، وإن كانت تخدم أيضاً المشروع الدائم لشيطنة إيران وحزب الله وتبرير السلوك العدواني لحكومات الغرب تجاههما أمام الشعوب.
ولم يتسنّ الحصول على تعليق من مصادر رسميّة في الحزب بشأن المزاعم الواردة في تقرير «ذي تيليغراف».