كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
غالب الظن، أنّ تجديد خلايا التفاهم بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري سيساهم في إعادة الانتظام الى نبض العلاقة بين الحريري والوزير جبران باسيل، بعد ارتفاع ضغطها نتيجة الاضطراب الذي أصابها أخيراً، لأسباب عدة ومتراكمة، كان أشدها وقعاً الموقف الذي نُسب الى باسيل حول صعود السنّية السياسيّة على جثة المارونيّة السياسيّة، ما أدى الى موجة من الغضب في الوسط السنّي.
في هذا الوقت، أطلق باسيل من لندن إشارة لافتة بقوله إنّ هناك مَن «يختلقون دائماً المشكلات لنا ولا يستطيعون رؤية أيّ تفاهم لمصلحة لبنان، وهذا ما فعلوه بالنسبة الى علاقتنا مع الحريري الذي أعطينا معه تلك الصورة الجميلة عن لبنان».
وقد تقاطع هذا الموقف مع إشارة الحريري في مؤتمره الصحافي «التصحيحي» الى انّ باسيل تأخّر في نفي ما نُسب اليه، ما يشي ضمناً بأن رئيس الحكومة يميل الى التصديق أنّ ما نُقل عن وزير خارجيته في البقاع لم يكن دقيقاً، من دون أن يعني ذلك أنه يعفيه من مسؤوليته عن مكامن الخلل الاخرى، سواء على مستوى العلاقة الثنائية او بعض الملفات.
وعليه، يوحي كلام باسيل اللندني أنّ خلافه المستجد مع الحريري لم يكن من صنعهما لوحدهما، وانّ بعض المتضررين مِن تفاهمهما دَخل على الخط، مباشرة أو مواربة، لإحداث شرخ بينهما وتأليب رئيس الحكومة على رئيس «التيار الوطني الحر».
بالنسبة الى اوساط قريبة من «التيار الحر»، لم يعد هذا الاستنتاج مجرد فرضيّة أو إفرازاً من إفرازات «نظرية المؤامرة»، بل هو يرتقي لديها الى مستوى الحقيقة القاطعة والمرتكزة الى معلومات ووقائع تثبت انّ هناك مَن عبث بالأدلّة والقرائن في مسرح خطاب باسيل في بلدة «تل ذنوب» البقاعية، وبالتالي تعمّد تحوير كلامه ومن ثم تسريبه مشوّها، عن سابق تصور وتصميم، بغية الإيقاع بين باسيل والحريري، وتوجيه ضربة قاسية الى التسوية الرئاسية.
ووفق رواية هذه الاوساط، عمد شخص كان حاضراً في لقاء «تل ذنوب»، وهويته معروفة، الى التصرّف بكلام باسيل وتحريفه في الاتّجاه الذي يستفزّ الطائفة السنية، ثم تولى نقله الى جهة إعلاميّة، بالتنسيق التام مع شخصية محسوبة على بيئة «الحريرية السياسية»، إلّا انها على خلاف حالياً مع رئيس الحكومة.
هذا التسريب الموجّه «من بُعد» فعل فعله، على الفور، في الساحة السنية المحتقنة اصلاً، ووصلت تردّداته السلبية الى الحريري الذي كان قلبه ملآناً في الاساس بفعل التراكمات، ولم تكن تنقصه سوى قطرة حتى يطفح، وهذا ما حصل. والأكيد، انّ تأخر باسيل في توضيح الصورة أفسح في المجال امام تمدد الغضب في الساحة السنية والاستثمار فيه، الى حدّ انّ النفي اللاحق فقد كثيراً من مفعوله وبات اضعف من احتواء التداعيات المتدحرجة.
وتبعاً للرواية نفسها، أبلغ «حزب الله» و»فرع المعلومات» الى الحريري لاحقاً حقيقة ما جرى، في وقت كان رئيس الحكومة يلاحظ انّ «المزايدين» عليه، من داخل البيت السياسي الواحد، يحاولون انتهاز الفرصة لحشره في الزاوية وإظهاره ضعيفاً امام «الهجمة على الصلاحيات والطائفة»، فكان الرد عبر مقدمتي «تلفزيون المستقبل» المتلاحقتين، واللتين صوّبتا على الأقربين قبل غيرهم «بعد انكشاف دورهم التحريضي».
وتؤكّد الاوساط القريبة من «التيار البرتقالي»، انّ باسيل لا يعتبر انّ هناك ازمة حقيقية بينه وبين الحريري، بل هو مقتنع أنّ التسوية لا تزال صلبة، وقادرة على امتصاص نوبات الغضب او العتب، وإن تكن تتطلّب من حين الى آخر تفعيلاً لها.
ومن باب الدلالة على تمسّك باسيل بحماية التسوية مع الحريري ومراعاة اعتباراته، يروي أحد المطلعين انّ وزير الخارجية أبلغ صراحة الى حليف سني، أنه لا يستطيع أن «يخدمه» في مجال التعيينات المرتقبة ولا يمكنه أن يخوض معركة من أجله على هذا الصعيد، لأنه ليس في وارد التمدّد الى «الحصة السنية» من التعيينات احتراماً لمقتضيات التفاهم مع رئيس الحكومة.
ما هو واضح حتى الآن، انّ «اللاصق» الذي يجمع الحريري وباسيل لم يفقد مفعوله بعد، على رغم من الاهتزازات المتفرقة، وبالتالي فإنّ التسوية ستبقى على الأرجح في الخدمة، حتى نهاية العهد، ما لم تطرأ مفاجآت أو تحوّلات من خارج هذا المسار.