لا خلاف على أن العلاقات اللبنانية السورية لم تكن يوما مطبوعة بالود الذي تفترضه ما يسميها الطرفان “علاقات الأخوة والتنسيق” بين “الجارين الشقيقين. وقد يذهب بعض آخر أبعد من ذلك بأشواط، إلى حد القول إن بيروت التي لطالما عانت عبء الوصاية السورية على أراضيها وتحكم دمشق بكل مفاصل الحياة السياسية في لبنان من اصغر التفاصيل إلى التأثير في الانتخابات الرئاسية المتعاقبة وحساباتها، لا تنتظر حادثة كتلك التي سجلت في خلال أعمال الدورة الـ108 لمنظمة العمل الدولية في جنيف، للتيقن مما يسميها بعض الدائرين في الفلك السيادي “النيات السيئة وغير الصادقة التي تضمرها دمشق للبنان”.
وعلى سبيل تذكير من فاتهم الحدث اللبناني السوري الذي شغل منصات مواقع التواصل الاجتماعي في خلال اليومين الماضيين، ذكر معنيون بالقضية أن في خلال إلقاء وزير العمل كميل أبو سليمان، رئيس المجموعة العربية المشاركة في أعمال المؤتمر الذي استضافته العاصمة السويسرية، كلمة لبنان الرسمي أمام المؤتمرين، والذي أعاد فيها تأكيد الموقف اللبناني الرسمي من ملف النزوح، انسحب الوفد السوري برئاسة وزيرة شؤون العمل السورية ريما القادري. علما أن بات من المعلوم أن الوفد الرسمي السوري انسحب عندما كان ممثل الدولة اللبنانية يتحدث عن العبء الكبير الذي يشكله الوجود السوري الكثيف على الأراضي اللبنانية واقتصاده وبناه التحتية.
وإذا كان الموقف اللبناني الرسمي من ملف اللجوء السوري معروفاً، فإن مصادر سياسية سيادية تلفت عبر “المركزية” إلى أن أهمية ما جرى في مؤتمر جنيف الدولي تتجاوز الإعلان عن موقفه الاعتيادي من هذه القضية الشائكة. ذلك أن السلطات السورية والإعلام الدائر في فلكها، جهدت في نفي الكلام عن انسحاب وفد النظام السوري أثناء إلقاء أبو سليمان كلمته، إلى حد أن الأمور ذهبت بهم إلى القول إن ممثلي دمشق لم يكونوا حاضرين أصلا في القاعة لينسحبوا منها خلال المداخلة اللبنانية.
وتلفت المصادر إلى أن بعض الاعلام اللبناني تبنى هذه الرواية”، مشيرة إلى أن غاب عن بال هؤلاء كما الاعلام السوري، أننا نعيش في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الفيديوهات كفيلة بوضع النقاط على الحروف و… بالصوت والصورة. فبعد ساعات على انفجار هذه المشكلة، انتشر شريط فيديو يوثق الانسحاب السوري من قاعة المؤتمر، وهو ما أكده وزير العمل اللبناني لـ”المركزية” كما في أكثر من إطلالة إعلامية في اليومين الأخيرين.
وفي قراءتها لهذه الصورة وما تبيته من معان ورسائل سياسية، تعتبر المصادر أن تصرف الوفد السوري لا يمكن أن يفسر إلا على أنه ضربة لسيادة لبنان ورموز الدولة فيه، على رأسهم رئيس الجمهورية الذي كان أبو سليمان يمثله في مؤتمر منظمة العمل الدولية ويتحدث باسمه، خصوصا أن وزير العمل كان زار بعبدا وأطلع الرئيس ميشال عون على مضمون الكلمة.
ونبهت إلى أن سوريا وجهت، من خلال هذا التصرف الخارج على أصول اللياقات الديبلوماسية المعمول بها دوليا خصوصاً بين الاشقاء، ضربة إلى هيبة الدولة.
من هنا، تسأل المصادر السيادية كيف لنا أن نصدق أن سوريا “صادقة” في التمسك بالحفاظ على العلاقات مع الجار الذي حكمته طويلا، وهي لا ترى ضيرا في توجيه الصفعات إلى سيادته (التي لم تعترف بها يوما أصلا)، فيما هي في أمس الحاجة إلى أي خيط يصلها بالعالم الخارجي.
وتختم داعية السلطات الرسمية اللبنانية، لا سيما وزارة الخارجية، الى استدعاء السفير السوري لاستيضاحه الموقف.