IMLebanon

إطلالة الحريري أبطلت حملة الاقتصاص من صانعي التفاهم الرئاسي

كتب أنطوان الأسمر في صحيفة “اللواء”:      

أثبت الحريري أنه يستمع في اللحظات المسماة حرجة بإصغاء إلى محيطه وخصوصاً إلى مجموعة العشرين التي تحكمها به علاقة إرتباط رحمي

أدت الإطلالة الأخيرة لرئيس الحكومة سعد الحريري (الثلثاء 11 حزيران) تمام الغرض الرئيسي منها. رمت في حينه الى إمتصاص الجلبة التي حصلت إثر ما نُسب الى وزير الخارجية جبران باسيل في جولته البقاعية عن المارونية السياسية، وهو ما نفاه باسيل وما لم يستطع أحد تقديم دليل موثق أو تسجيل صوتي يثبت الكلام المنسوب والمحرّف قصداً من جهة باتت معلومة تماماً للمعنيين والقصد من هذا التحريف والإثارة.

إطلالة الحريري سحبت، إذن، الفتيل وأطّرت أي نقاش في جدواه السياسية، لا الثأرية فقط، والثأريون كثر على رصيفي بيت الشعب وبيت الوسط:

أ-يؤكد الحريري انه لا يزال المرجعية السنّية الوحيدة القادرة على لمّ قواعدها – بالحزم متى أراد- ووقف أي نقاش او لجم أي شطط، أو -هنا بيت القصيد – تصويب أي نقاش وطني في عناوين سياسية قد تكون خلافية، من مثل ما لحق التسريب البقاعي من إعادة طرح النقاش في إتفاق الطائف وإتهام رئيس الجمهورية، رأس الدولة والمسؤول الوحيد الذي يقسم على حماية الدستور- الطائف، وفريق مسيحي وازن بأنه يعمل على نسف الاتفاق بالممارسة بعدما تخلّيا عن تغييره بالآليات الدستورية.

ب-يكرس الحريري حرصه على التفاهم الرئاسي كعبّارة قاهرة لأعتى الأمواج التي تضربه أحيانا كثيرة بغرض نسفه وتفكيك مفاعيله، رغبة في الإقتصاص منه ومن ميشال عون على حد سواء. هذه الحقيقة تكاد تكون مطلقة في قصر بعبدا وبيت الوسط. وتكمن قوة الرجلين في فهمهما المشترك والعميق لما لإلتقائهما من فوائد جمّة وطنية، عابرة للجماعة الضيّقة وقادرة على التأسيس للمستقبل.

ج-يثبت الحريري أيضا أن حرصه على ضبط الشارع وإمتصاص أي حالات شطط، حتى لو رفع أو إضطرّ الى رفع سقف خطابه، يحرص بالدرجة عينها، أولا على العلاقة المميزة التي تربطه بميشال عون، وثانيا والأهم مع التيار الوطني الحر بصفته التمثيلية الواسعة مسيحياً ووطنياً توازياً مع صفته النيابية كأكبر تكتل مسيحي ووطني في المجلس.

د- يثبت الحريري كذلك أنه يستمع في اللحظات، المسماة حرجة، بإصغاء الى محيطه، وخصوصا الى مجموعة العشرين التي تحكمها به علاقة إرتباط رحميّ من غير أن تكون مقررة في كل الأحيان. هذه المرة من السهولة بمكان الوقوع في إطلالة رئيس الحكومة على مفردات وعبارات تكاد تتشابه مع نصوص المجموعة، بل تتطابق معها في محاكاة الشارع.

وهذه أيضاً نقطة تسجّل لرئيس الحكومة.

و-صوّب الحريري النقاش في مسألة الطائف، وهو نقاش يبلغ أحياناً كثيرة حد تصويره على أنه مكسب سيادي سنيّ على حساب المسيحيين، وهذا تماما ما يزيد الإحتقان ويُخرج الاتفاق من صيغته الوطنية الجامعة الى زواريب عقلية فوز فريق على آخر.

توازياً، أقفل جبران باسيل تماما أي نقاش عقيم أو هامشي على خلفية التسريب، لإدراكه الخلفية المرامي الثأرية منه، ولكيلا يعطي أحدا ذريعة تلقيم السلاح وصب الوقود على النار.

أ-فهو في الأصل أحد صناع التفاهم الرئاسي مع سعد الحريري، الرمز السني -الوطني لطائفته، وللطائف بإعتباره إرثاً حريرياً وازناً. فكيف لمن صنع التفاهم بخيط من ذهب وحفر طوال عامين كاملين، أن ينقلب عليه؟

ب-هو كذلك أحد موطّدي العلاقة بين التيارين السياسيين الأكثر تمثيلاً في عقل الجماعتين ووجدانهما، وإستطراداً بين زعيمي هاتين الجماعتين: أحدهما صار رئيساً للجمهورية وثانيهما عاد رئيساً للحكومة. فأين المصلحة في تخريب هذا المسار؟

ج-وهو، وهنا بيت القصيد، أكثر العاملين على تكريس منطق الرئيس القوي – المنبثقة شرعيتها وقوتها من مساحته التمثيلية. فها هو عون رئيساً للجمهورية ونبيه بري رئيساً للمجلس والحريري رئيساً للحكومة، بما عُدّ في تشرين 2016 إنتصاراً للميثاقية (ميثاقية بشارة الخوري ورياض الصلح لمن أرادوا تشويه معناها) وللقدرة المطلقة على أن تتمثل كل جماعة بزعيمها الأقوى، بما يحقق تصحيحاً انتفى في الجمهورية الثانية بفعل رغبة الإدارة السورية في قهر الأقوى وتقديم الأضعف. فإن كان باسيل عمل على كل هذا، هل من المعقول أن يفكّر لحظة، على سبيل المثال، في دفع الحريري الى حرج داخلي قد يصل به الى الإستقالة، وتالياً نسف كل فكرة الرئيس القوي الممثل لجماعته؟