كتب حبيب معلوف في “الاخبار”:
مع اقتراب موعد طرحه أمام المجلس البلدي لبيروت، لا يزال هذا دفتر شروط المحرقة، بصيغته النهائية التي حصلت عليها «الأخبار»، عاجزاً عن تأمين حل آمن ومتكامل لقضية نفايات العاصمة. فهو، أولاً، لا يأتي ضمن استراتيجية شاملة ولا ضمن خطة للادارة المتكاملة للنفايات، اضافة الى ملاحظات اخرى يتعلق أهمها بموقع المحرقة الذي لم يجرؤ أحد على الاعلان عنه بعد، وبدراسة الأثر البيئي التي ستجرى بعد انتهاء المناقصات لا قبلها!
لعل اول شرط لم (ولن) تستطيع بلدية بيروت (او اي بلدية اخرى) تجاوزه لنجاح مشروعها لمعالجة أزمة النفايات، هو أن يأتي هذا المشروع من ضمن استراتيجية شاملة لادارة هذا القطاع، الأمر الذي لم تنجزه وزارة البيئة بعد. مثل هذه الاستراتيجية، في حال تبنّيها، فإن أول مبادئها البديهية سيكون استبعاد خيار الحرق لكل انواع النفايات. أما غيابها، كما هو حاصل، فيبقي الأمور في دائرة الفوضى. وهذا ما يؤكده دفتر شروط محرقة بيروت، بصيغته النهائية التي حصلت عليها «الأخبار»، والتي يفترض أن تطرح قريباً على طاولة المجلس البلدي للعاصمة.
ولعل من أهم الملاحظات الاساسية على هذا الدفتر أن عقد تلزيم الشركة الرابحة يتضمن قيامها يحملة توعية للمواطنين والمؤسسات العامة والخاصة والمؤسسات التربوية والصناعية حول الممارسات الجيدة في إدارة النفايات، مثل الفرز من المصدر والتخلص السليم من النفايات وعدم رميها عشوائياً والحفاظ على النظافة العامة. ومع ان لهذا البند أهمية كبيرة، إلا انه في غياب مخطط توجيهي واستراتيجية لإدارة النفايات بمختلف أنواعها وبنى تحتية للتخلص من بعض أنواع النفايات (كالالكترونية مثلاً وغيرها من النفايات الخطرة)، تثار علامات استفهام حول ما ستتضمنه حملة كهذه. ناهيك عن أن نجاح الفرز من المصدر، في حال تحققه، يلغي الحاجة أساساً الى محرقة!
النفايات الخطرة
يحدد دفتر الشروط أنواع النفايات التي لا يمكن لمحرقة بيروت استقبالها، مثل: نفايات العمارة والردميات، النفايات التي تحتوي على كثير من الرمول مثل نفايات الكنس وتنظيف الطرقات، النفايات التي تحتوي على نسبة رطوبة عالية (أكثر من 60%) مثل تلك الناتجة عن أسواق السمك والخضار، النفايات المتفجرة أو شديدة الاشتعال مثل الذخيرة ونفايات الكربيد الجافة والرطبة والألعاب النارية والنفايات الذاتية الإشتعال والمواد المتفجرة الأخرى، النفايات السامة والمشعة والمواد الكيميائية التي تحتوي على مركبات غير صالحة للحرق، الحاويات المضغوطة والنفايات الخطرة والمعدية كالأعضاء البشرية والحيوانية، جثث الحيوانات ونفايات المسالخ، مواد العزل مثل الصوف الصخري، الأسبستوس، ألواح سيليكات الكالسيوم، ألياف السيراميك، السجاد الكبير، الحمأة وبقايا صناعات الجلود والفراء والمنسوجات، بقايا معالجة الأسطح الكيميائية وطلاء المعادن والمواد الأخرى، الغاز المعبأ ومبيدات الأعشاب المكلورة والمبيدات الحشرية ومبيدات الفطريات وغيرها من المواد السامة والسرطانية التي تشكل خطراً على العاملين في المنشأة وعلى البيئة (مثل البنزين)، اضافة الى الأحماض المستخدمة والمنتجة في المنشآت الصناعية ومواد التبييض… الخ. إلا أن الدفتر لا يحدد مسؤولية من هذه الأنواع الخطرة من النفايات ولا أين ستذهب ولا كيفية إدارتها!
وينصّ دفتر الشروط بأن على الشركة المتعهدة أن تقدم خطة طوارئ للنفايات الخطرة تتضمن الإجراءات التي يجب اتباعها في حال وصول أي نفايات صلبة أو سائلة أو غازية يشتبه أنها خطرة إلى المنشأة. في هذه الحال، على الشركة المتعهدة أن تغلق فوراً المنطقة المتأثرة، وإخطار ممثل البلدية بالأمر، وتوثيق الحادثة بالصور والتقارير وتنظيف منطقة الاستقبال وتخزين النفايات الخطرة في مستوعبات ملائمة، على نفقتها.
إلا أن الدفتر يلحظ أيضاً أنه يحق للشركة المتعهدة رفض أي نفايات غير مطابقة (بما فيها النفايات الخطرة)، ما يعني أنها لن تستقبل مثل هذه النفايات، وأن مشكلة كبيرة ستبقى من دون معالجة، خصوصاً أن وزارة البيئة لم تقدم بعد خطة متكاملة لادارة النفايات على أنواعها. فما معنى اذاً وضع دفتر شروط في غياب مثل هذه الخطة، وكيف توضع مسؤولية التخلص من النفايات الخطرة على عاتق الشركة المتعهدة (في حال الطوارئ) بغياب البنى التحتية الملائمة لمعالجة هذا النوع من النفايات؟ علماً أن التخلص منها بشكل عشوائي يشكّل خطراً فعلياً، فيما يرتّب ترحيلها بحسب اتفاقية بازل أعباء مالية عالية جداً.
الموقع والمواصفات
لم يشر الدفتر الى موقع المحرقة الذي لا يزال «سر الأسرار» على أن يترك ذلك لمجلس الوزراء (يتردد ان الموقع قد يكون في الكرنتينا أو الشويفات). علماً انه لا يمكن انشاء مصانع تصنف ضمن الفئة الاولى مثل المحارق في نطاق مدينة بيروت. وفيما لم يحدد الموقع، جرى تحديد مواصفاته كالآتي: منطقة حضرية، ذات شكل هندسي مسطح، بمساحة تفوق 60,000 متر مربع، ويسهل الوصول إليها… مع ضرورة وجود محطة كهرباء بالقرب من الموقع الذي يتم اختياره.
تمتد فترة بناء المحرقة حوالي 3 سنوات وتصل فترة التشغيل الى 25 سنة، بقدرة استيعاب تقدر بـ 850 طناً من النفايات يومياً، من المرجح توسعتها لتستوعب 1500 طن يومياً. ويحدّد الدفتر نسبة الفرز (المواد القابلة لإعادة التدوير الخضراء والبنية) بـ15% فقط. ولا يلحظ أي أنواع أخرى من المواد التي يمكن إعادة تدويرها. وإذا كانت بيروت تنتج اليوم 650 طناً من النفايات مع زيادة سنوية تقدر بـ 1.65% في لبنان، فيعني ذلك أن كمية النفايات ستصل إلى 1097 طناً يومياً بحلول سنة 2050، ما يعني أن القدرة الاستيعابية للمحرقة ستكون أكبر من الكمية المنتجة.
أين الأثر البيئي؟
نصّ الدفتر على تلزيم دراسة تقييم الأثر البيئي للمحرقة الى شركة استشارية عالمية ذات خبرة في تحويل النفايات إلى طاقة يختارها المتعهد بحسب شروط تضعها بلدية بيروت. ويضع على الشركة المتعهدة مسؤولية التخلص من رماد القاع وترحيل الرماد المتطاير بناءً لمتطلبات اتفاقية بازل الدولية، ويطلب من الشركات تقديم وثيقة تثبت كتابةً موافقة دولة الاستيراد وإجراءات مفصلة للنقل وتصدير الرماد المتطاير. وهنا تجدر الإشارة الى أنه بحسب إتفاقية بازل، تنال الشركات موافقات تصدير النفايات الخطرة بناءً على نوعية النفايات وإمكانية التخلص منها في مرافق متخصصة، وهي تعطى لكميات محددة وفترات محددة. فماذا يحصل في حال حصلت الشركة على موافقة لسنة، مثلاً، ولم تكن قادرة على تجديدها في السنوات التالية؟ مع العلم ان كميات الرماد المتطاير يمكن أن تشكل بين 2% و6% من وزن النفايات التي تدخل إلى المحرقة (بين 15 و45 طناً من الرماد المتطاير يومياً). فكيف واين سيتم تخزين هذه الكميات، وما هي كلفة ترحيلها؟ والأغرب من ذلك كله، أن دراسة الأثر البيئي ستُطلب من المتعهد بعد انهاء المناقصات. فيما يفترض أن يشمل التقييم البيئي الوضع الاجتماعي والاقتصادي والصحي لسكان المنطقة المحيطة بالموقع قبل (لا بعد) تحديد الموقع واجراء المناقصات. كل ذلك، معطوفاً على طلب وزير البيئة فادي جريصاتي، في الاجتماع الأخير للجنة الوزارية المعنية بالملف، مهلة لتقديم طرح متكامل تقول مصادر في وزارة البيئة انه قد يتعارض مع انشاء محارق صغيرة للبلديات… يشير الى أن هذا الملف لم يخرج من دائرة التخبط، ولا يزال يخضع للتجاذبات بين شبكات مصالح كبيرة. وقد زادت حادثة الكشف عن انبعاثات محرقة مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت سكان المدينة المعترضين على المحرقة يقيناً بأن من لا بقدر على التحكم بمحرقة مستشفى لن يكون مؤهلاً لادارة محرقة تستقبل مئات الأطنان من النفايات يومياً!