كتبت ناتالي إقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
لم نكن نُبالغ في عدد 30 أيار 2019 حين نقلنا عن مصدر خاص لـ»الجمهورية»، انّ إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية وصل إلى «نقطة اللاعودة». فحتى اليوم لا يزال التدريس معلّقاً، ومستقبل نحو 80 ألف طالب معطّلاً، ومصير العام الجامعي مجهولاً. فبعد أكثر من شهر على الإضراب، تدخل القضية مرحلة جديدة، حيث لم تعد تُغري التطمينات السياسية الاساتذة، ولا تشفي غليلهم الحلول الجزئية. فالقضية أعمق من ذلك وتتمثل بأزمة ثقة يُعاني منها الاساتذة حيال الدولة وأسلوب المراوغة. في هذا السياق، علمت «الجمهورية»، انّ مجموعة لا يُستهان بها من الأساتذة «مش ممنونة» من خلاصة الإجتماع التربوي الإداري في وزارة المال أمس الاول، وتشدُّ على يد الرابطة كي لا تَتَراجع عن إضرابها، على اعتبار «انّ ما أثمره الاجتماع من تحقيق للمطالب، «باعونا ياها من كيسنا».
فيما ينهمك طلاب الجامعات الخاصة في التحضير لإحتفالات تخرّجهم، وآخرون يُخططون لوجهات سفر واستجمام لموسم الصيف، أو يبحثون عن جامعات لمواصلة تخصّصهم في الخارج، يجد طلاب الجامعة اللبنانية أنفسهم في حيرة من أمرهم عند منتصف الطريق. فهم لم ينهوا بعد عامهم الجامعي ولم يؤمّنوا وظيفة صيفية أو مجالاً للتدرّب في إحدى المؤسسات (stage).
لذا، بدأ صبر فئة كبيرة من الطلاب ينفد، وبعدما أبدوا طوال هذه المدة تضامنهم مع مطالب أساتذتهم ومشاركتهم في تحرّكاتهم، تخرجُ بعض الاصوات المطالبة بضرورة التحرّك لوضع حد للإضراب وإنقاذ العام الجامعي، وبعض الآخر يُضاعف دعمه للأساتذة.
في هذا السياق، دعا رئيس رابطة طلاب لبنان السابق إبراهيم فتفت، في بيان، «طلاب الجامعة اللبنانية والأساتذة وكل من يخاف على مصلحة جامعة الوطن من حملة السلطة المجحفة ضدها، إلى الإعتصام المفتوح في ساحة رياض الصلح إبتداء من الساعة العاشرة من قبل ظهر الإثنين المقبل، إحتجاجاً على ضغط المسؤولين على رابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة، لفك الإضراب دون العودة عن بند تخفيض ميزانية الجامعة في موازنة العام 2019 ولتلبية كافة مطالب الأساتذة، حماية للجامعة ولمكانتها التربوية والوطنية»، وطالباً منهم «الإستعداد ونصب الخيم وللإعتصام المفتوح».
حسابات البيدر والحقل
فيما الطلاب في حيرة من أمرهم لتحديد موقفهم من إضراب الأساتذة، كان الاساتذة أنفسهم منقسمين ما بين المتمّسك باستمرار الاضراب والشاجب له.
وقد زاد من هذا الانقسام، الاجتماع الشهير الذي شهدته وزارة المالية أمس الاول، برئاسة الوزير علي حسن خليل وحضور وزير التربية أكرم شهيب، ورئيسة لجنة التربية النائب بهية الحريري ورئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب ورئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين الدكتور يوسف ضاهر، لمناقشة مطالب الجامعة والأساتذة والإضراب.
وأبرز ما تمّت مُناقشته في الاجتماع وطمأنة ممثلي الاساتذة حوله:
1- عدم المس بالرواتب
2- عدم المس بالمعاش التقاعدي
3- الحق بالمعاش التقاعدي على الـ 20 سنة عند بلوغ الـ 64
4- الموافقة على مشروع الخمس سنوات ودعم إقراره في المجلس النيابي مع إمكانية تعديله ليشمل الذين يخدمون فوق 18 سنة.
5- الموافقة على ملف التفرّغ
6- الموافقة على ملف الملاك
7- الموافقة على إعطاء أي حق مالي للجامعة لدى وزارة المال.
إلّا انّ حسابات الحقل والبيدر لم تتطابق، وما تمّ إعتباره في إجتماع وزارة المالية من مسائل مهمة وأساسية للجامعة، ويدفع «لطي صفحة الإضراب» على حد تعبير حسن خليل، لم يُقنع معظم الاساتذة الذين إعتبروا «سلتن فاضية». لذا لم تكد تصل الرابطة إلى مقرّها في بئر حسن، لتقويم اجتماع وزارة المالية، حتى بدأ الاساتذة بالتوافد إلى مقر الرابطة لمنعها من الرضوخ الى أي ضغط لتعليق الإضراب.
ورغم مساعي حسن خليل وشهيب في بث روح إلايجابية والتفاؤل في صفوف الاساتذة للتراجع عن الإضراب، إلا انّ رئيس الرابطة د. ضاهر كان واضحاً وصريحاً في الاجتماع، بأن ما تمّ الموافقة عليه أقلّ من تطلعات الاساتذة، خصوصاً بعد تبلغهم انّ موضوع الثلاث درجات، واقتراح مشروع القانون المكرّر المعجّل المقدّم منذ أكثر من سنة لا ينفع، ويجب أن يُصاغ اقتراح مشروع قانون جديد مقدّم من نائب، وأن يتحوّل إلى اللجان قبل الهيئة العامة لمجلس النواب، بالإضافة إلى استبعاد فكرة عدم المس بصندوق التعاضد.
إلى أين؟
رغم اجتماع الرابطة أولاً في وزارة المالية، وبعده إجتماعها في مقرّها حتى ساعات متأخرّة من الليل، تعذّر التوصل إلى اتخاذ قرار حاسم وفاصل من الإضراب، لذا أبقت الرابطة إجتماعاتها مفتوحة. ويبقى السؤال إلى أين سيتجه الاساتذة في إضرابهم؟
يُحاول رئيس رابطة الاساتذة د. ضاهر إمتصاص نقمة الطلاب وحيرة الاساتذة على حد سواء. ويوضح في حديث لـ«الجمهورية»: «الإجتماع في وزارة المالية كان أقرب إلى جلسة مصارحة من تصنيفه إيجابياً، الموافقة على بعض المطالب لا يعني تحقيق المكاسب». ويقول: «التعديلات الجزئية وأنصاف الحلول أثارت سخط بعض الاساتذة، على سبيل المثال، لا يكفي الحق بالمعاش التقاعدي على الـ 20 سنة عند بلوغ الـ 64، إنما أيضاً لمن أكمل 20 سنة وأراد أن يستقيل قبل الـ64». ويتابع: «يعتبر الاساتذة صندوق التعاضد خطاً أحمر، وفي المقابل لم نلمس تطمينات حول عدم المساس به، على اعتبار اننا كبقية مكونات المجتمع من عسكريين وقضاة».
وما «زاد الطين بلة» على حدّ تعبير ضاهر، مسألة الدرجات الثلاث، موضحاً: «بعد إضراب 3 أسابيع العام المنصرم وتنفيذ يوم تضامني مع الجامعة اللبنانية، والحصول على تواقيع النواب الداعمة لمشروع قانون معجّل مكرّر لمنحنا الدرجات الثلاث، عدنا إلى نقطة ما قبل الصفر، للأسف»، مشيراً إلى «انّ ما ترجمه المجتمعون في الاجتماع دعماً للأساتذة، إعتبره المتفرّغون ذر الرماد في العيون». ويلفت إلى مجموعة من القضايا العالقة، «كمفاعيل القانون 46 والتي يستفيد منها نحو 2000 موظف ومدربين في «اللبنانية» والتي تُقتطع من موازنة الجامعة، في وقت موازنتها تُمس».
ولا ينكر ضاهر، أنّ رئيس الجامعة فؤاد أيوب حاول دعم الاساتذة خلال إلاجتماع في وزارة المالية في إجتراح الحلول، ولكن جوبه بالرفض، فيقول: «إقترح أيوب حلولاً كثيرة توافقنا عليها، كأن تسدّد الجامعة من موازنتها الدرجات الثلاث مقسطة على 4 سنوات، ولكن جوبه الاقتراح بالرفض، على اعتبار انّه بصرف النظر عن آلية التسديد فالمسألة تحتاج إلى قانون ولجنة مال».
فيما تتجه الانظار إلى الموقف الذي ستتخذه الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة وسط التجاذبات والمدّ والجزر، علمت «الجمهورية» أنّ إجتماعاً مهماً ستعقده الرابطة اليوم، إما تخرج فيه بقرار حاسم لناحية الإضراب، وإما تدعو لإجتماع ثان موسّع مع مندوبي الاساتذة لإتخاذ القرار المناسب.