يدرك “حزب الله” جيداً أن اندلاع أي حرب في المنطقة، وعلى أي مستوى، لن تكون في مصلحته، ليس لحسابات عسكرية بحتة فالحزب لا يخشى المواجهات العسكرية، إنما لحسابات مالية واقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى!
لكن الحزب يدرك أيضاً أن استمراريته تفرض عليه أن يكون جاهزاً دائماً للقتال حتى لا يسمح لأي طرف داخلي في لبنان أو خارجي بالانقضاض عليه في توقيت إقليمي مشبوه في ظل الهجمة الأميركية على إيران وكل محاولات التضييق عليه.
لكن، وبعيداً من التصعيد في نبرة الأمين العام لـ”حزب الله” وتهديده في مضمون كلامه بإشعال المنطقة كلها في حال تعرّض إيران لأي ضربة، يعلم السيد نصرالله أن حزبه ليس جاهزاً لخوض أي حرب في ظل الحصار المالي الخانق الذي يتعرّض له، وفي ظل عدم قدرته مالياً على تلبية متطلبات أي حرب، سواء لناحية تأمين مستلزمات مقاتليه، أو الأهم القدرة ما بعد الحرب على التعامل مع الواقع الذي سينتج عنها. فلا هو قادر على إعالة عائلات شهدائه، ولا هو قادر على إعادة الإعمار واستيعاب النقمة الاجتماعية التي قد تنتج عما قد تتركه أي حرب من تداعيات اجتماعية واقتصادية ومالية في بيئته، وخصوصاً أن إيران ستكون عاجزة عن تلبية حاجات الحزب وعن ضخّه بالأموال التي يحتاج إليها، كما أن الدولة اللبنانية عاجزة بطبيعة الحال عن القيام بأي مبادرة، إضافة إلى أن الدول العربية لن تقدّم في هذه الحال فلساً واحداً.
بناء على كل ما تقدّم يدرك الحزب أن أي حرب لن تكون نزهة بالنسبة إليه، لا بل ستكون بمثابة انتحار عملاني، ولذلك هو يصعّد كلامياً وفي الخطابات والنبرة، ليس لأنه يريد المواجهة، بل على العكس فإن تصعيده يشكل محاولة لتفادي أي حرب أو مواجهة!
أي خيارات لـ”حزب الله” عملياً في هذه المرحلة الإقليمية الحرجة؟
خيارات الحزب لا تبدو كثيرة، فهو يسعى إلى تجنّب أي معركة في لبنان وانطلاقاً منه لأنها ستكون مدمّرة على كل الأصعدة. في المقابل يراهن الحزب كما إيران على عدم رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الذهاب إلى حرب إقليمية كبرى، ولذلك سيعوّض الحزب من خلال استعداده لتلبية أي مطالب إيرانية بتنفيذ عمليات خارجية من دون أن يخاطر بتوتير الأوضاع داخلياً في لبنان.
في المقابل يسعى “حزب الله” إلى التعامل مع الداخل اللبناني وفق استراتيجية تقوم على خطين متوازيين: الأول هو محاولة منع أي انهيار داخلي سواء سياسياً أو اقتصادياً لتفادي أن ينعكس ذلك عليه وعلى بيئته المنهكة أساساً نتيجة العقوبات الأميركية ومفاعيلها. والثاني هو محاولة استعجال تحصيل مكاسبة إضافية في داخل النظام اللبناني، وهو ما يفسّر مسارعة الرئيس نبيه بري إلى طرح تعديل قانون الانتخابات باتجاه النسبية مع اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وهو ما يسمح للثنائي الشيعي بتحقيق المثالثة عملياً في نتائج مثل هكذا قانون، ومن دون الحاجة إلى تعديل دستوري!
هل تنجح استراتيجيات “حزب الله”؟ لا يمكن الجزم في الجواب، لكن الثابت الوحيد أنه لا يواجه أي استراتيجيات مضادة بفعل غياب مثل هذا الاستراتيجيات، ولا يواجه حتى أي مقاومة داخلية تُذكر، في ظل واقع داخلي استسلم عملياً تحت شعارات عدة وبقي يراهن ضمناً وحصراً على أي تطورات تأتي من الخارج علّ وعسى!