وكأن المصائب الكبيرة والكثيرة التي تطبع يوميات الناس في بلاد الأرز، لا تكفي لتذكّر المواطن على مدار الساعة بأن حياته “رخيصة” جدا… جدا، ولا يعيرها بعض من في الطبقة الحاكمة التي اختارها بنفسه، أي اهتمام، ليأتي السلاح المتفلت والمنتشر كالفطر بين أيدي المواطنين، فيؤكد هذه النظرية في غياب أي حلول في الأفق.
صحيح أن الأمن في لبنان مستتب بجهود الجيش وقوى الأمن والأجهزة المعنية. لكن هناك ما لا يقل فتكا عن الاجرام الداعشي: إنها الأسلحة المتفلتة والمنتشرة بين أيدي الناس، لا سيما منهم الدائرون في فلك كبار قوم المجتمع وبعض رواد الملاهي الليلية، مستفيدين من نفوذهم، استحصل بعض هؤلاء على رخص حمل السلاح والزجاج الداكن لسياراتهم، ليس لاعتبارات أمنية كما هي الحال في الدول التي تحترم نفسها، بل إن بعضهم تلطى خلفها لارتكاب جرائم شنيعة تصيب ما يفترض أنه استقرار أمني ينعم به لبنان بسهم قاتل، من شأنه أن يطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذا الاستقرار على الصمود.
وليس أبلغ دليلا إلى ذلك إلا الارتفاع المخيف في عدد ضحايا جرائم السلاح المتفلت، ليس أقلهم إليان صفطلي وايف نوفل، اللذين لم يرد لهما المجرمون إلا أن يسقطا ضحايا على أبواب الملاهي الليلية، في وقت دفع الشاب روي حاموش من حياته ودمه ثمن ما يمكن تسميته “تشبيحا” مارسه الخارجون على القانون من حملة السلاح وأصحاب رخص الزجاج الداكن للسيارات ذات ليلة من حزيران 2017.
هذه الصورة، معطوفة على الحماسة التي أظهرتها وزيرة الداخلية ريا الحسن لوضع حد لهذه الظاهرة بوصفها خطوة أولى على طريق حماية حياة الناس من اجرام بعض مستسهلي ارتكاب الجرائم، تدفعان مصادر مراقبة إلى التشديد عبر “المركزية” على ضرورة وضع هذا الملف على طاولة البحث الجدي، في وقت تفيد المعلومات بأن في لبنان نحو 15 ألف سيارة ذات زجاج داكن. وهو رقم مرتفع لا يمكن تفسيره إلا من باب الطلبات الكثيرة التي يقدمها بعض أصحاب النفوذ الذين يزورون وزارة الداخلية برخص سلاح و”فوميه” لأنصارهم، ما يؤشر إلى أن هؤلاء لا يجدون ضيرا في استخدام هذا الملف رشوة انتخابية، ما عادت خافية على أحد، ولا يرون أي ضرر في وضع حياة الناس في دائرة الخطر الشديد لأسباب واهية.
إلا أن المصادر تشدد على أن الموضوعية تقتضي الاعتراف لوزيرة الداخلية بأنها أطلقت نفير معركة مكافحة رخص السلاح والزجاج الداكن، برفضها توقيع أي رخص إلا وفق معايير وضوابط معروفة وواضحة، مذكرةً بأن تدابير بسيطة يمكن أن تتخذ في هذا المجال، ليس أقلها فرض غرامات مضاعفة على حاملي هذه الرخص، والتشدد في ملاحقة ومعاقبة المخالفين، وهو ما تتجه إليه قوى الأمن الداخلي في المرحلة المقبلة، بينما تفيد المعلومات المتداولة بأن بعض الجهات تعطي تراخيص سيارات الزجاج الداكن بذريعة الاعتبارات الأمنية.
وفي الانتظار، فإن الأنظار تبقى شاخصة إلى حلبة الصراع الموازناتي، في مجلس النواب، علّ بعض النواب في البرلمان ينجحون في فرض المعايير والغرامات اللازمة لكيفية منح رخص السلاح والسيارات المفيمة، بعدما سقط هذان البندان في لجنة المال والموازنة فيرد لبنان بذلك بعضا من الاعتبار لضحايا السلاح المتفلت.