… وأخيرا عقد اللقاء الذي طال انتظاره بين رئيس الحكومة سعد الحريري، وشريكه الأول تحت سقف التفاهم الرئاسي، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. هذه المرة، بدا الرجلان على بينة تامة من الهزات التي أصابت اتفاقهما، وأدت إلى نكسات قوية استشعرتها قاعدتاهما الشعبيتان، لا سيما منها تلك الدائرة في الفلك الأزرق، والتي ما انفكت تعبر عن بعض الامتعاض إزاء الخيارات التي ركن إليها الرئيس الحريري في المراحل السابقة.
على أن الأهم يكمن في أن التفاهم الرئاسي بين الطرفين تجاوز بنجاح مطب ما سماها الرئيس الحريري “زلات اللسان”، في انتقاد مبطن إلى شريكه الرئاسي، لا لشيء إلا لأن الجانبين متيقنان من أن ساعة الاجهاز عليه لم تدق بعد. تبعا لهذه الصورة، بدا لقاء الساعات الخمس بين الحريري وباسيل حاجة ضرورية لوضع النقاط على الحروف وتهيئة الأجواء لإنطلاقة متجددة وقوية لحكومة “الى العمل”.
غير أن هذه الصورة المطبوعة بالايجابية التي حرص التياران الأزرق والبرتقالي على ضخها خلال الساعات الماضية، لا تنفي أن التجارب السابقة في مجال إنعاش التسوية كلما عرقلها تضارب مصالح أطرافها، تتيح للمراقبين طرح تساؤلات مشروعة حول قدرة هذا التفاهم على الصمود في مواجهة ألغام كثيرة تبدو مزروعة على الدرب الحكومي الطويل، ليس أقلها التعيينات، التي غرق الجميع في دهاليزها باكرا، وهو ما ينبئ بأن حرباً مسيحية ضروساً ستندلع في قاعة مجلس الوزراء، كما خارجها… عندما يحين أوان البحث في هذا الملف الشائك.
على أي حال، فإن التيار الوطني الحر يبدو على بينة من المشكلات التي تكمن له وللتسوية التي أبرمها مع التيار الأزرق، وسيضطر إلى مواجهتها في المرحلة المقبلة، لكنه اليوم يصب تركيزه في مكان آخر: تثبيت دعائم التفاهم الثنائي مع بيت الوسط. وفي هذا الاطار، أكدت مصادر التيار الوطني الحر لـ “المركزية” أن الاجتماع الذي ضم الحريري وباسيل أمس في السراي الحكومي واستكمل في بيت الوسط، كان مخصصاً لبحث كل الملفات المطروحة راهنا من الموازنة إلى النفايات، إلى تفعيل عمل الحكومة ووضعت النقاط على الحروف بشكل لا يحمل أي التباس.
وأشارت المصادر إلى أن تبعا لهذه الصورة، فإن التفاهم بين الطرفين لن يسقط عند أول لغم، علما أن ملف التعيينات الادارية لم يطرح بعد على طاولة البحث الجدي، لافتة إلى أن أحدا لم يقل إن فريقا سيقدم على قضم حصة الآخر من التعيينات”.
وشددت المصادر على أن ما شهده لبنان في الأسبوعين الأخيرين من ارتفاع لافت في حدة الخطاب السياسي لا يعني انهيار الاتفاق، بدليل أن، في مؤتمره الصحافي الأخير الذي عقده في السراي، أكد رئيس الحكومة تمسكه بهذا التفاهم، علماً أنه لا يصب إلا في إطار الشراكة الوطنية التي يرفع لواءها التيار الوطني الحر”، مؤكدة أن أول تجليات مفاعيل لقاء الحريري-باسيل سيظهر في من تفعيل العمل الحكومي وتزخيم انتاجية الفريق الوزاري.