Site icon IMLebanon

ميشيل حجل ربحت.. نحنا خسرنا!

كتب جوزف طوق في صحيفة “الجمهورية”:

ميشيل.. بعد ما خلص كيس المصل، بعد ما خلص الوجع، وبعد ما خلص السرطان.
ميشيل.. بعد ما خلص تعلّقنا فيكي، بعد ما خلص اعتمادنا عليكي، وبعد ما خلص أملنا يلي علّقناه عليكي.
ميشيل.. هل تذكرين كيف كرجتِ مثل الحجلة بين قلوبنا، بين أفكارنا وصلواتنا؟ هل تذكرين كيف كرجتِ مثل الحجلة بين تعليقاتنا وشموعنا؟ إذا كنتِ تذكرين، فكيف يمكنكِ أن تخونينا وتكرجين من الحياة إلى الموت بهذه السرعة وتتركينا نبحث عن بطلة حقّقت انتصارات بإبرة وشرشف وسرير، نبحث عن بطلة علّمتنا ابتسامة الوجع وفرح المرض؟

هل صعدتِ إلى فوق، هل وصلتِ إلى ربّكِ أم أنكِ ما زلتِ تنتظرين في مكان ما هنا؟ هل تنتظرين لتسمعي كلمات حبّنا الأخيرة، هل تنتظرين لتساندي أختكِ في مصابها، هل تنتظرين لتبلسمي قلب خطيبكِ في غيابكِ، أو تنتظرين لتشجّعي أهلكِ وعائلتكِ على مجابهة الحقيقة المرّة… هل تنتظرين عناقاً أو قبلة أخيرة من الأحبّة؟

إذا كنتِ هنا في مكان ما، لا بدّ أن تسمعي من آلاف المهزومين في بلدكِ لبنان، أنّهم كانوا يبحثون عن بطل أو بطلة تحقّق لهم إنتصاراً، أي شكل من الانتصار، ولو حتى في غرفة طوارئ أو على سلم درج أو في باركينغ سيارات. آلاف المهزومين كانوا مفجوعين أمس بعدما انصدموا بخبر رحيلكِ عن سرير الألم إلى سرير الراحة الأبدية، كانوا وما زالوا مفجوعين بانتهاء قصص الأبطال الذين يربحون معارك الحياة بقلوبنا، وهم مجبورون أن يستكملوا حياة يبقى فيها أشباه الأبطال يصنعون بطولاتهم على ظهورنا.

خوفنا أن لا تكونوا تسمعون من هناك، من خلف ستار الموت، سوى أصوات البكاء والعويل، وأن لا تكونوا ترون سوى الدموع والأجساد المهدودة… وكم نتمنّى أن تكونوا قادرين أن تقرأوا تعليقاتنا ومطوّلات حبّنا وفخرنا. كم نتمنّى أن تكونوا قادرين أن تلحظوا الابتسامة على وجوهنا، لأننا نعرف في قلوبنا أنكِ خضتِ معركة طويلة وشرسة، وتمكّنتِ أن تخرجي منها قوية منتصرة، فيما نحن نواصل التخبّط في معاركنا كالجبناء.

ميشيل.. أنتِ لم تكوني الأولى ولن تكوني الأخيرة التي تصاب بالسرطان، في بلد التنقيب اليومي عن السرطان. غرف المنازل، وأروقة المستشفيات، وشبابيك المساعدات الاجتماعية، مليئة بأبطال مصابين بالسرطان، يبحثون عن ساحة يربحون فيها معركة او يحققون عليها انتصاراً. أسرّة الغرف لم تعد تحتمل آلام المصابين بالسرطان، والأبر ملّت من دماء الموجوعين، وفروات رأس الأولاد والنساء والرجال والعجزة باتت تشتاق إلى رائحة الشعر ودفء خِصله.

في بلدي كثرت وجوه الأهل المخبّأة خلف أكياس المصل، الخجلانين من استعطاء ثمن دواء وأجرة طبيب وحجز سرير للأنين. صالونات الاستقبال باتت مكتظّة بمناقيش الزعتر والكشك في أحضان الخالات والعمّات الراكضات لمساندة أخت منهارة على ولدها أو أخ مكسور بصوت ابنته.

ميشيل.. انتِ لم تخسري، أنت ربحتِ معركتكِ بقوة الإرادة والصمود والضحكة المعدية… أنت مرضتِ، وتألّمتِ، وواجهتِ، وانتصرتِ، ورحلتِ. لكن الحسرة علينا نحن المصابين من حيث لا نعلم، المتألمين من حيث لا ندري، الخاضعين من دون أن نواجه، المنازعين من دون أن ننتفض.

ميشيل.. أنتِ عرفتِ عنوان معركتك وأكملتيها بطلة، ونحن ما زلنا نبحث عن عنوان لهزيمتنا.. فيا ليتنا نعرف مكمن الوجع حتى نتعلّم مثلك طريق الانتصار.