كتبت ليا القزي في “الاخبار”:
وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، ينتمي إلى القوات اللبنانية، فيما المدير العام للوزارة عبد الله أحمد، محسوبٌ على حزب الله. منذ بداية عهد قيومجيان، والخلافات بينه وبين أحمد تتصاعد، مع تأكيد الجميع أنّ المشكلة إدارية وليست سياسية. فالوزير يُحاول حصر كلّ ما له علاقه بالوزارة بمكتبه، بطريقة باتت تؤثر سلباً بسير العمل داخل الإدارة.
التقديمات للمؤسسات والجمعيات والهيئات، وإبرام العقود معها، ملفٌّ لم يكن الحديث عنه محصوراً بين الوزراء في جلسات مناقشة موازنة الـ2019، وليس مُجرّد مادة للمزايدات السياسية. فداخل وزارة الشؤون الاجتماعية، يدور النقاش أيضاً حول هذا الموضوع. كان من المفترض أن يتبلور إلى «خطة عمل» تُحدّد العلاقة مع الجمعيات المتعاقدة معها الوزارة، بناءً على أسس ومعايير مادية واضحة… إلا أنّ المشروع انتهى في مهده. السبب؟
«الخلاف الإداري بين الوزير ريشار قيومجيان، من جهة، والمدير العام للوزارة القاضي عبد الله أحمد، من جهة أخرى، الذي ينعكس على العمل داخل الإدارة»، يقول أحد المسؤولين في «الشؤون الاجتماعية». الوزير ينتمي إلى القوات اللبنانية، فيما المدير العام محسوبٌ على حزب الله، لكنّ مصادر في فريق 8 آذار السياسي تُشير إلى أنّ الخلاف «ليس سياسياً، فقيومجيان قال إنّه سيُسهّل الطلبات المتعلقة بحزب الله. المشكلة هي بين مدير عام يسعى إلى تطبيق نهج إصلاحي، ووزير يعمل في السياسة». إلا أنّ قيومجيان يقول إنّه «ليس لديّ أي مصلحة خاصة أو حزبية في هذه الوزارة. ولا يوجد أي منحى فئوي أو شخصي أو مناطقي في عملي». وهو يرفض تناول علاقته مع المدير العام في الإعلام، «خلاف إداري يُحلّ داخل الوزارة».
بداية قصة الجمعيات، كانت في آذار الماضي، حين راسل أحمد «كافة الجمعيات والهيئات الأهلية والدينية المتعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، طالباً منها إيداع قلم مصلحة الديوان نسخاً مُصدقة وفق الأصول عن موازنتها لعام 2019، وعن قطع حسابها لعام 2018 (المقدمة إلى وزارة الداخلية والبلديات)، وذلك خلال مهلة أقصاها 29 آذار». الهدف من المشروع حُدّد بأن «نعرف المبلغ الذي تحصل عليه كلّ جمعية من الوزارة، وإعادة توزيعها بنحو عادل، وفقاً لمعايير مُحددة»، بحسب المسؤول، واصفاً الخطة التي عمل عليها الجهاز الإداري في الوزارة، بأنّها «مشروع إصلاحي لعلاقتنا مع الجمعيات. يجب أن نكون على بينة من حجم الجمعيات والخدمات التي تُقدمها، خاصة في ما يتعلق بالجمعيات التي تحصل على تمويل مزدوج أو تربطنا بها عقود مشتركة، ويُفترض بها أن تُقدّم خدمات متخصصة، فإذا بنا ندفع لمستوصفات أو أقساط مدارس، بحجة أنها تتوجه إلى الفئات الفقيرة في المجتمع، فيما هي من اختصاص وزارات أخرى».
إلا أنّ قيومجيان، عوض أن يتواصل يومها مع المدير العام ويستوضح منه البرنامج، عطّل العمل بمراسلة عبد الله أحمد، عبر كتابٍ أرسله في 28 آذار إلى المديرية العامة للشؤون الاجتماعية بوقف إصدار «أي تعميم أو مذكرة تنظيمية موجهة إلى المشاريع الاجتماعية، والاكتفاء برفع اقتراحكم إلى الوزير للنظر به واتخاذ الموقف المناسب بشأنه»، وذلك بعد إصدار مذكرات وتعاميم «من مختلف وحدات وزارة الشؤون الاجتماعية ووضعها موضع التنفيذ دون إطلاع الوزير على مضمونها مُسبقاً». يقول قيومجيان، في حديثه مع «الأخبار»، عن المشروع الذي كان يُعمل عليه في الوزارة: «ما في هيك شي». يؤكد أنّ الجمعيات تخضع لرقابة وتفتيش «مرتين في السنة من المصالح المختصة داخل الوزارة. نحن نعرف تماماً عمل كلّ مؤسسة، والمبلغ الذي تتقاضاه… وحتى في العقود الجديدة، حضرت الجمعيات إلى الوزارة، مع أرقام موازنتها».
العلاقة مع الدول المانحة، والمنظمات الدولية، نقطة ثانية للخلاف بين قيومجيان وأحمد. فقد راسل الوزير عدداً من المنظمات، طالباً منها حصر التواصل بينها وبين مكتبه، أكان بالشق التقني أم الاستراتيجي أم التنفيذي… وعلى مكتبه أن «يحوِّل المعلومات إلى المصلحة المختصة». كذلك فإنّ الاجتماعات، «على كلّ المستويات»، يجب أن تنال «موافقة مسبقة من مكتبي». الإجراء «الجديد» (كما وُصف) هدفه «تفادي الازدواجية في العمل والمبادرات»، بحسب نصّ المراسلة. ويُشير المسؤول داخل الوزارة إلى أنّ طلب قيومجيان «أثار امتعاض عددٍ من المؤسسات والجمعيات الأجنبية، لما لذلك من تأثير بسير العمل، وقد رفض بعضها القرار، كمكتب التعاون الإيطالي في لبنان». ويعتبر المسؤول وجود «إدارة سيئة للعلاقة مع المانحين، فهي من دون رؤية»، الأمر الذي ينفيه قيومجيان، فمالياً هناك «رقابة على عمل كلّ المنظمات»، وإدارياً لا تزال «كلّ المشاريع قائمة». أما في ما خصّ طلبه من المنظمات الدولية جعل التواصل مع مكتبه، فـ«مئة بالمئة حصرتهم بمكتبي، حتى لا يفتح كلّ مسؤول أو رئيس مصلحة علاقة مع السفارات أو منظمات الأمم المتحدة… من أولى مهمات الوزير أن تكون هذه العلاقات بيده»، نافياً أن تكون خلفية القرار خلافه مع عبد الله أحمد، «فأنا لا أُقدم على أي تصرف انطلاقاً من مشاكل داخلية».
في آذار أيضاً، طلب أحمد فتح تحقيق بتسجيل مراسلة في مصلحة الديوان في «الشؤون» تُفيد بتعيين مستشار قيومجيان، روبين صغبيني مُشرفاً عاماً على «خطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية»، من دون علم المدير العام. كانت تلك «شرارة» الخلاف حول الموظفين المتعاقدين مع الوزارة. يقول المسؤول في «الشؤون» إنّه يوجد حالياً قرابة 750 متعاقداً «وقّع الوزير تجديد عقودهم بطريقة مخالفة لأصول عقد النفقة، فاعتماداتهم غير متوافرة وغير محجوزة». طلبات المتعاقدين، رفعها المدير العام إلى الوزير، «من دون أن يقترح عليه توقيعها، وقد رفض أحمد أن يتحمّل مسؤوليتها». ويُضيف المسؤول أنّ مصلحة المحاسبة في الوزارة «التي يقتضي دورها أن تتأكد من توافر الاعتمادات، قرّرت تأييد الوزير بقراره».
وفي المقابل، ألغى قيومجيان عقود عمل 7 أشخاص «4 منهم يعملون في مكتب أحمد، وملتزمون وظيفتهم. أما الثلاثة الذين كانوا في مكتب الوزير، فاثنان منهم حُوِّلا إلى وزارة العمل، والثالث وُضع له عقد عمل جديد».
يُنكر قيومجيان أن يكون قد أبرم أي عقد عمل جديد، مؤكداً أنّه ألغى سبعة عقود «لم يكونوا يُداومون. من كانوا يعملون في مكتبي، أرسلتهم إلى منازلهم، على أمل أن يقوم هو (المدير العام) بالأمر نفسه». أما عقود العمل الأخرى، «فهي قرابة الـ400 وليست 750، يعملون في برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً، ووقعتها جميعها كما وردتني من البرنامج». ويسأل الوزير: «كيف يقال إن أي مخصصات لم تُرصد لهم؟ هم ضمن البرنامج الموجود، ويجب أن تتجدد عقودهم».
الخلاف بين الوزير والمدير العام، يضعه كلّ المعنيين بإطاره «الإداري» وليس السياسي، مُستندين إلى العلاقة «شبه الطبيعية» التي كانت تربط أحمد بالوزير القواتي السابق بيار بو عاصي. إلا أنّ ذلك لم يمنع حزب الله من التدخل، لمنع تفاقم صراع الصلاحيات بين المدير العام المحسوب عليه، ووزير القوات اللبنانية. وبحسب معلومات «الأخبار»، أُوكِلت إلى أحد وزراء حزب الله مهمة حلّ الخلاف بين قيومجيان وأحمد.