كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
بعد الغليان السياسي الذي ألقى بثقله على الوضع السياسي العام، وعلى الوضع الحكومي والتسوية الرئاسية بشكل خاص، نجحت الاتصالات التي شهدتها الأيام القليلة الماضية في تهدئة الأجواء المتوترة، وأصبحت الطريق سالكة لتفعيل عمل الحكومة بما يؤدي الى تحقيق المرتجى منها سواء على الصعيد الداخلي لجهة إقرار الإصلاحات التي يتطلبها مؤتمر «سيدر»، أو على الصعيد العربي لجهة تحسين علاقات لبنان مع أشقائه العرب، ولا سيما مع المملكة العربية ودول الخليج.
وفي هذا السياق يُشكّل اجتماع الخمس ساعات بين رئيس الحكومة سعد الحريري، ووزير الخارجية جبران باسيل مؤشراً إيجابياً على أن الحكومة تجاوزت قطوع الخلاف بين الاثنين، وانتقلت إلى مرحلة التعاون المشترك لإنجاح الحكومة ومعها بطبيعة الحال العهد الذي أكثر من إطلاق الوعود، وحتى الآن لم يتحقق أي شيء منها، سوى المراوحة حول الموازنة العامة التي استغرقت 19 جلسة من النقاش العقيم وتشهد في مجلس النواب نوعاً من «التناتف» من قبل بعض الأطراف هدفها الأول والأخير «التمريك» على رئيس الحكومة بحيث استدعاه الأمر إلى توجيه أصابع الاتهام إلى هذه الجهة بالعرقلة من جهة، وإعادة العجز في الموازنة إلى الارتفاع.
إلا أن الصورة اختلفت بعد اجتماع الساعات الخمس بينه وبين الوزير باسيل عبر عنها رئيس الحكومة في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السراي الكبير أمس، وغاب عنها ملف التعيينات بإعلان ارتياحه لمسار العمل الحكومي والتأكيد على أن المرحلة المقبلة ستشهد تفعيلاً لعملها بما يؤدي إلى تحقيق إنجازات كبيرة، ولا سيما على صعيد مواصلة الإصلاح المالي الذي من شأنه ان يضمن سلامة اقتصاد لبنان وماليته العامة.
إن هذا الارتياح الذي عكسه الرئيس الحريري في مجلس الوزراء، شكل عامل ارتياح لحلفاء رئيس الحكومة الذين كانوا يخشون من أن يستسلم لنزوات رئيس التيار الوطني الحر، وإن كانوا لا يزالون ينتظرون أن تترجم تفاؤلات الرئيس الحريري إلى حقيقة عندما يطرح ملف التعيينات على بساط البحث، وهذا ما عبر عنه رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب وليد جنبلاط في تغريدته أمس بما يعكس مدى قلقه من المسار الذي يسلكه رئيس التيار البرتقالي على الصعيد الداخلي والذي تجاوز فيه كل الحدود المسموح بها في السياسة الداخلية.
والذي يبعث أكثر على التفاؤل بأن لبنان سينتقل من مرحلة الانغلاق إلى مرحلة الانفتاح على العالم العربي هو القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بإعادة علاقاتها مع لبنان إلى سابق عهدها، منطلقة في هذا المسار من موقف لبنان الرسمي وحكومته الشرعية بإعتماد سياسة النأي بالنفس لمؤشر صريح على رفضها وعدم تغطيتها تدخل أي قوى لبنانية عسكرياً وسياسياً في قضايا الدول العربية الأخرى، كما ان تأكيد الدولة اللبنانية في قمّة مكة الأخيرة وقوفها إلى جانب الموقف العربي الموحد برفض الاعتداءات التي تعرّضت لها المملكة ودولة الإمارات وعدم تحفـظ الرئيس الحريري على هذا الموقف شكلا إشارات مشجعة إضافية للمملكة للذهاب قدماً في طريق تعزيز علاقاتها مع بيروت والذي ستبدأ تباشريه الإيجابية بالظهور قريباً على أرض الواقع توسيعاً للتعاون الثنائي في أكثر من مجال، وفي موازاة هذه الحركة السعودية لبنانياً والتي ستستكمل بالزيارة التي بدأها وفد من مجلس الشورى السعودي إلى بيروت، يبدأ قائد الجيش العماد جوزيف عون زيارة إلى المملكة للبحث في سبل التعاون بين الجيشين إلى جانب لقاءات أخرى في الرياض تصب في خانة دعم الجيش اللبناني، كل ذلك يدل على أن المملكة ترفض ترك لبنان ساحة مفتوحة يُمكن للجمهورية الاسلامية الإيرانية بسهولة أن تفرض سياساتها وتوجهاتها عليها، خاصة بعدما اعتبرت طهران بيروت إحدى العواصم العربية الأربع الواقعة تحت نفوذها المباشر.
كل هذه المؤشرات تشي بأن صيف لبنان سيكون واعداً حسبما يريده معظم اللبنانيين، وأن لبنان سيشهد مرحلة مليئة بالايجابيات في حال استمرت الأمور على ما أفضى إليه اجتماع بيت الوسط، ولم يقدم أحد الفريقين على تغيير قواعد اللعبة.