لم يكن الأكثر تعبيراً عن عودةِ «التَناغُمِ» بين طرفيْ تسوية 2016 السياسية من تَلاقي رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري على توصيف واقع لبنان، في ضوء الأزمات الداخلية وما يحوط به إقليمياً، بأنه أشبه بـ«مركبٍ» يحتاج إلى إنقاذ وتضافُر الجهود لـ«تصفيحه».
وإذا كان عون «استعار» سفينة «تايتنيك» للدلالة على دقة الوضع اللبناني وتأكيد ضرورة إعلاء التضامن الداخلي والقفز فوق المصالح الضيّقة، فإن الحريري بدا «على الموجة» نفسها حين أعلن «لم يعد بإمكاننا أن نسير بالوتيرة نفسها فجميعنا في مركب واحد، وكلنا مسؤولون عن سلامة هذا المركب الذي اسمه لبنان».
ويشكّل هذا التطابُق في التوصيف، بحسب أوساط سياسية، أحد مرتكزات معاودة إنتاج التسوية التي عبّرتْ عنها خلاصاتُ «جلسةُ غسْل القلوب» التي امتدّتْ خمس ساعات يوم الاثنين بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) ومهّدتْ لاستئناف جلسات مجلس الوزراء أمس وفق «خريطة طريق» حدّد رئيس الحكومة عناوينها بوضوح.
وإذ ساهَمَ إحياءُ التفاهمِ بين فريقيْ عون والحريري في إشاعة مناخاتٍ داخلية مريحة، فإن الأوساط السياسية توقّفتْ عند مفارقاتٍ طبعتْ العودة الى سكة التسوية، وأبرزها:
* أن الحريري حرص في الشكل على إضفاء طابع مزدوج على لقائه مع باسيل، الأول أعطاه شكل اجتماع بين «رئيس وزراء ووزير» وهو ما عَكَسَه الشق الافتتاحي الذي عُقد في السرايا الحكومية، فيما جاء الثاني الذي استُكمل الى غداءٍ في دارة الحريري بمثابة تعبيرٍ عن طيّ صفحة التأزم بين الطرفيْن.
* أن الحريري أعلن في البيان الذي صدر بعد لقاء باسيل «ان الاجتماع كان مناسبة لحوار صريح ومسؤول تناول مختلف أوجه العلاقة وعناوين التباين في وجهات النظر. وكانت فرصة لتأكيد تقديم المصلحة الوطنية على ما عداها»، قبل أن يوضح أن «الاجتماع خلص الى ان التفاهم الذي حصل قبل نحو ثلاثة أعوام قائم وسيستمرّ قوياً وفاعلاً بعد جلسة المصارحة، في إطار التعاون مع المكونات الحكومية كافة لتوفير عوامل الاستقرار المطلوب، وتحقيق أعلى درجات التجانس في العمل الوزاري».
* رغم ما نُقل عن مصادر «التيار الحر» من أنه «أعيد إنتاج التسوية من جديد. وكأن الحكومة وُلدت من جديد»، فإن الأوساط السياسية، التي اعتبرت أن إشارة الحريري إلى «التعاون مع المكوّنات الحكومية الأخرى» يُعتبر مؤشراً إلى عدم رغبة رئيس الحكومة في الإيحاء بوجود أي ثنائية على حساب علاقاته مع أطراف أخرى في الحكومة، رأتْ في الوقت نفسه أن من المبكر جداً الكلام عن انطلاقة جديدة للحكومة في ظل الارتيابِ الدائم لأفرقاء عدة من تفاهماتٍ بين فريقيْ عون والحريري يمكن أن تأتي على حسابهم، وفي ضوء «استنفار» أكثر من طرف على خلفية عنوانٍ يمكن أن يشكّل «فتيل» اشتباكٍ حقيقياً وهو ملف التعيينات الذي يسود على تخومه صراعٌ بين «التيار الحر» وحزب «القوات اللبنانية» وقوى مسيحية أخرى ترفض اختزال الوزير باسيل حصة المسيحيين من التعيينات.
ومع أن الجلسة العادية التي عقدها مجلس الوزراء أمس برئاسة الحريري ظلّلها «التضامن الحكومي الكامل»، فإنّ اسئلة طُرحت ليس فقط حول إمكان إيجاد أرضية مشتركة لمرورٍ آمِن للتعيينات في المرحلة المقبلة، بل لتأثيرات التوتر الآخذ في التصاعُد بين الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كان له أمس تعليق لاذع على لقاء رئيس الحكومة – باسيل، إذ غرّد «في فلسطين صفقة قرن وفي لبنان صفقة قرن»، معلناً «هناك أرضٌ وشعبٌ على مشارف المصادرة والتهجير وهنا اتصالات وكهرباء وأملاك بحرية ومصافٍ ونفط وغاز على مشارف القرصنة والتوزيع والتخصيص»، وأضاف: «هناك صهرٌ وهنا صهرٌ يعبثون بالاخضر واليابس، وهناك رئيس يهدد العالم يميناً وشمالاً وهنا تسوية القهر والذلّ والاستسلام».
وكان الحريري استهلّ الجلسة بتأكيد ضرورة التضامن الوزاري، كاشفاً عن خريطة طريق لعمل الحكومة للمرحلة المقبلة من بنودها استكمال ما يلزم للاستفادة من مخصصات مؤتمر «سيدر» وإعداد مشروع موازنة 2020، و«التعيينات (…)».
وفي موازاة ذلك، انشغلت بيروت بتطوريْن:
* الأول الزيارة التي بدأها قائد الجيش العماد جوزف عون أمس إلى المملكة العربية السعودية تلبية لدعوة نظيره السعودي «للبحث في سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين جيشيْ البلدين وتبادل الخبرات العسكرية».
وفيما جاءت هذه المحطة قبل ساعات من وصول وفد من مجلس الشورى السعودي الى بيروت في زيارة غير مسبوقة، فإن الأوساط السياسية اعتبرت أن استقبال الرياض لقائد الجيش (العائد قبل نحو شهر من زيارة لواشنطن) يشكّل رسالة لا لبس فيها إلى حرص المملكة على دعم المؤسسات اللبنانية، السياسية والعسكرية، باعتبارها عنوان «الشرعية»، وعلى قاعدة الموقف السعودي والدولي الذي يلتقي على دعم الجيش اللبناني بوصفه المدافع الوحيد عن لبنان وأرضه. علماً أن ثمة رصْداً لما ستحمله لقاءات العماد عون في المملكة وخلاصاتها.
* المحادثات التي بدأها المفوض الروسي الخاص الى سورية ألكسندر لافرنتيف، على رأس وفدٍ يضم نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين وآخرين، في بيروت من ضمن جولةٍ تشمل العراق والأردن وسورية.
وإذ شكّل ملف النازحين السوريين عنواناً رئيسياً للمحادثات في ضوء المبادرة الروسية وآفاقِها والعقبات أمامها، لفت كلام السفير الروسي الكسندر زاسبكين بعيد وصول الوفد عن أن «البحث سيتطرق الى مجمل القضايا التي تتعلق بالنازحين سواء الانسانية أو الأمنية او اللوجستية وخصوصاً وان الظروف الأمنية أصبحت أفضل من السابق»، كاشفاً ان «من المتوقع أن يوجّه الوفد دعوة الى لبنان لحضور مؤتمر استانا 3 في يوليو المقبل»، فيما نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر مطلعة على خلفيات الزيارة الروسية وأبعادها أنها تهدف الى نقل رسالة مزدوجة من أن «لا عودة للنازحين السوريين إلا من ضمن مسار العملية السياسية للتسوية السورية التي تسير، ولو ببطء، بمواكبة ومباركة دوليتين»، و«حذار المغامرة بالانخراط في اي عملية عسكرية قد تقع، على غفلة، في الاقليم، فانأوا بأنفسكم وحيّدوا ساحتكم عن أي مواجهة».