كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:
علّق قضاة لبنان موقتاً اعتكافهم الذي دام شهراً ونصف الشهر، من دون أن يحققوا شيئاً من مطالبهم سوى الوعود الشفهية بإلغاء البنود التي تضمنها مشروع الموازنة، الذي يقتطع جزءاً من مخصصاتهم ومكتسباتهم المالية، ويترقّب القضاة ما سيصدر عن لجنة المال والموازنة النيابية، التي تعقد جلسات مكثّفة لدرس الموازنة قبل إحالتها على الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت عليها وإقرارها، فيما بدأت تتكشّف الأضرار الناتجة عن الاعتكاف، جرّاء تراكم الدعاوى القضائية منذ مطلع شهر أيار الماضي، والتي فرضت أعباء جديدة على الجسم القضائي، كما ألحقت أضراراً جسيمة بالمتقاضين الذين وقعوا ضحيّة السلطتين السياسية والقضائية وتجاذباتهما، فيما تخوّفت مصادر قضائية من إجراءات عقابية تطال رموز حركة الاحتجاج عبر التشكيلات المنتظرة هذا الصيف.
وكان القضاة تخطّوا مطلب التمسّك بمكتسباتهم المادية والمعنوية، إلى الإصرار على تكريس استقلالية السلطة القضائية، وأكدوا في بيانهم أن «تعليق الاعتكاف يلاقى بالإيجابية نفسها المواقف التي صدرت عن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة سعد الحريري، التي أجمعت على عدم المس بالضمانات المالية والمعنوية للسلطة القضائية، والتي لا تتعزز إلا باستقلالية السلطة القضائية، وتأكيدهم أن الدولة ملتزمة إعطاء القضاة ما يريدون».
أحد القضاة الفاعلين في الحركة الاعتراضية، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن تعليق الاعتكاف «يأتي كبادرة حسن نيّة، حتى لا يتهم القضاة بالتعنت وإقفال طرق المعالجة». وأشار القاضي الذي رفض ذكر اسمه إلى أن القضاة «يتحسسون حراجة وضع المتقاضين الذين جمّدت ملفاتهم بفعل الإضراب، لكن هذا الواقع لا يتحمّل القضاة مسؤوليته، بل الحكومة التي دفعتهم إلى التصعيد». وقال: «إذا استجاب مجلس النواب إلى مطالبنا فنحن على استعداد لتخطي العطلة القضائية هذا العام (تبدأ من منتصف يوليو – تموز، وتنتهي في منتصف سبتمبر – أيلول)، وذلك لتعويض ما فات المتقاضين، وما خسرته الخزينة نتيجة تعليق صدور الأحكام واستيفاء الرسوم والغرامات المالية لصالح وزارة المال».
وأقرّ رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، بأحقية مطالب القضاة وموافقته عليها، فيما دعا رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان إلى سماع صرختهم وتأكيد حقهم بالاستقلالية الحقيقية التي يفترض درسها فور إقرار الموازنة.
وأعلن القضاة، في بيانهم، أن تعليق الاعتكاف هو خطوة مؤقتة، إلى حين الانتهاء من مناقشة قانون الموازنة، وأملوا أنهم «لا يكرهون مجدداً على ما يكرهون، وإتاحة المجال لتصويب مسار خاطئ كان متبعاً تجاههم». وأعلنوا أنهم يتطلعون إلى «التعيينات والتشكيلات القضائية المرتقبة، وأن تراعي معايير الموضوعية من الاستقلالية والعلم والنزاهة والصلابة، وأن تفتح أبواب المحاكم على آفاق العدالة».
وبدا لافتاً إدراج موضوع التشكيلات القضائية بنداً في بيان رفع الاعتكاف، وهو ما برّرته أوساط قضائية لـ«الشرق الأوسط»، بأن «لدى بعض القضاة خشية أن تكون التشكيلات القضائية مدخلاً لمعاقبة القضاة الذين شكّلوا رأس حربة التحرّك والاعتكاف». وأوضحت أن «بعض القضاة تبلغوا رسائل عتب أقرب إلى الوعيد، ومفادها أن التصلّب في مواقفهم وتحريض زملائهم على التمسّك بالاعتكاف سيرتدّ سلباً عليهم». لكنّ هذه الأوساط لفتت إلى أنه «لولا حركة الاحتجاج التي حصلت لكانت السلطة السياسية ضربت مطالب القضاة بعرض الحائط».
من جهته، أشار عضو لجنة المال والموازنة النائب بلال عبد الله، إلى أن «اللجنة لم تصل بعد إلى البنود التي تمس حقوق القضاة للنظر فيها»، لكنه أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك «نيّة جدية لمعالجتها، وأخذ هواجس القضاة بالاعتبار». وشدد على «ضرورة حماية أمنهم الاجتماعي وتقديماتهم المادية، والحفاظ على وحدة السلطة القضائية واستقلاليتها». وقال عبد الله: «عندما نرفع شعار مكافحة الفساد، لا يمكننا تطبيق هذا الشعار إلا إذا كان القاضي مرتاحاً نفسياً ومادياً ومعنوياً لأداء هذه المهمّة»، لافتاً إلى أن «هناك موارد كثيرة يمكن تأمينها بدل المسّ بمكتسبات القضاة والموظفين». وكشف عبد الله أن كتلة «اللقاء الديمقراطي، قدّمت 4 اقتراحات تحقق مداخيل للخزينة، وهي وضع ضريبة على الدخان والسيجار لصالح وزارة الصحة ودعم أدوية الأمراض المستعصية، والثاني إخضاع الجامعات الخاصة لضريبة الدخل، كونها مؤسسات ربحية، والثالث فرض ضريبة على أي مقاول أو شركة لبنانية وأجنبية تربح مناقصة تنفيذ مشروعات في لبنان، والرابع وضع مداخيل مرفأ بيروت ضمن الموازنة، وأن تخصص وزارة المال ميزانية تشغيلية للمرفأ».