كتبت راكيل عتيِّق في صحيفة “الجمهورية”:
يبدو أنّ قوى سياسية رأت في مواقف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وعمله السياسي في المرحلة الأخيرة، تخطياً لحدود التعاطي والممارسة السياسية. ويبدو أنّ بعض هذه القوى وجد صعوبة في «وقف» إندفاعة باسيل أو الحدّ منها، فناشد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تولّي هذه المهمة لأن ما من أحد «يمون» على باسيل غيره. وفي حين يتعذّر التفاهم بين الأخير وحزب «القوات اللبنانية» بما يهدد علاقة «القوات» بعهد عون، يحاول رئيسها سمير جعجع شرح وجهة نظره للرئيس، علّه ينجح في وَصل ما انقطع بينهما، وفي دفع عون الى إعادة توجيه مسار باسيل السياسي.
تسارُع الأحداث السياسية الداخلية والخارجية في المرحلة الأخيرة دفع جعجع إلى توجيه رسالة إلى عون أمس يعرض فيها لوجهة نظره حول قضايا وملفات عدة، ويعبّر عن تخوّفه من تداعيات مواقف باسيل وممارسته السياسية.
وعلمت «الجمهورية» أنّ جعجع ناشد في رسالته عون التدخل لضبط الأمور وإعادة الاستقرار السياسي الذي اهتزّ بمقدار كبير في الأسابيع الأخيرة، وكذلك إعادة العجلة إلى المؤسسات. ودعاه إلى التمسك بإقرارِ آليةٍ للتعيينات في إدارات الدولة ومؤسساتها، لأنّ هذه الآلية إذا اعتُمدت وطُبِّقت، يكون عون قد أنجز خطوة إصلاحية كبيرة ومهمة جداً في عهده، وسيُعتبر تطبيق الآلية إنجازاً للرئيس شخصياً، فـ«القوات» متمسّكة بالرئيس وحريصة عليه، على ما أكد جعجع.
كذلك، أبلغ جعجع إلى الرئيس تخوّفَه من الوضع السائد في المنطقة، متمنياً عليه أن يشدد على التزام سياسة «النأي بالنفس»، ومؤكداً حرصه على إستمرار العلاقة وتبادل الرسائل بينهما على رغم من التباين والخلافات حول بعض الملفات بين «القوات» وباسيل.
وفيما أطلع جعجع عون، في جانبٍ من رسالته، على أجواء لقائه الأخير مع رئيس الحكومة سعد الحريري، أثنى رئيس الجمهورية في المقابل على الرسالة وأبدى تفهّمه لكل ما ورد فيها، مؤكداً حرصه على التواصل مع «القوات» وإبقاء قنوات الحوار معها قائمة ومفتوحة، ومشدّداً على أنه حريص على أفضل العلاقات مع كل المكونات السياسية، وتحديداً «القوات»، وأنه في موقع الرئاسة يميّز نفسه عن الخلافات التي تحدث بين أيٍّ من هذه المكونات السياسية، وأنه حريص على الانتظام والاستقرار.
أمّا بالنسبة لأبعاد الرسالة فيرى البعض أنها طَلقَتُه الأخيرة لمحاولة التفاهم مع كلّ من عون وباسيل وتصحيح العلاقة مع العهد وتحقيق الإنجازات معاً على غرار قانون الإنتخاب، وإلّا ستكون هناك مواجهة مفتوحة بين الجانبين، خصوصاً إذا تبيّن أن مواقف عون ورؤيته هي مواقف باسيل ورؤيته نفسها.
ويرى البعض الآخر أن رسالة جعجع لعون تأتي على غرار لقائه بالحريري مباشرةً بعد اللقاء الطويل بين الحريري وباسيل، وذلك خوفاً من أن تُستبعد «القوات» مجدداً من التفاهمات والاتّفاقات المحصورة بين رئيسي التيارين الأزرق والبرتقالي، والتي تخوّل باسيل إحتكار التعيينات وغيرها من «مغانم المحاصصة»، ما يُظهره على أنه الأقوى مسيحياً ويُعزّز وجوده السياسي على صعيد تكريس التفاوض معه حصراً تحت عنوان أنه «الممثل الأقوى للمسيحيين» سياسياً وشعبياً.
وفي المقابل، ترفض «القوات» هذه النظرية، وتشدّد مصادرها عبر «الجمهورية» على أنّ «لقاء الحريري وجعجع الأخير أتى في سياق اللقاءات الدورية التي يعقدانها، ويُعتبر من اللقاءات الناجحة جداً بينهما، حيث كان التوافق، ليس فقط على النظرة الإقليمة والإستراتيجية والعناوين الكبرى التي تبدأ من لبنان والدولة أولاً ولا تنتهي بالرؤية الوطنية للبنان ودوره وإلتزام سياسة «النأي بالنفس»، إنما أيضاً لجهة التقاطع بين نظرتيهما حول أنّ هناك ممارساتٍ ما دون التسوية الرئاسية، تسيء الى الإستقرار وتضرب الإنتظام، وبالتالي كان هناك توافق شامل بينهما وكانت جلسة ناجحة جداً».
وتشير هذه المصادر إلى أنّ «جعجع يرغب دائماً في وضع عون في أجواء مثل هذه اللقاءات ووجهة نظره»، مشددة على أنّ «أساس الرسالة المرسلة من جعجع إلى رئيس الجمهورية هو تبنّي العهد مسألة تحديد آلية للتعيينات لأنها تُعتبر إنجازاً إصلاحياً أساسياً للعهد يُضاف إلى إنجاز قانون الانتخاب». وتؤكد «أنّ «القوات» لا تريد أن «تلحّق حالها بشي»، بل هي متمسّكة بالآلية لأنها تعتبرها المدخلَ الأساس لبناء دولة مؤسسات عصريّة».