التبس الأمر على بعض اللبنانيين للوهلة الأولى عندما تردد قبل ايام قليلة ان السوريين سلموا ممثلين عن رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” الامير طلال ارسلان المخطوفين اللبنانيين في سوريا عنصري امن الدولة ريان علبي وريدان شروف أثناء قيامهما برحلة تسلق في مرتفعات الجبل المحاذية لمدينة راشيا مطلع الأسبوع الجاري. واعتقد البعض انها سلمته امين السوقي الفار الى الداخل السوري، المتهم بجريمة الشويفات التي ذهب ضحيتها الشاب علاء ابو فرج تمهيدا لإقفال الملف، بعدما وضع الحزب التقدمي الإشتراكي الملف في عهدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وسلمه اسقاط الحق الشخصي لذوي الضحية ابو فرج لقاء تسليم السوقي الى القضاء اللبناني وتسوية القضية وطي ذيولها السلبية التي ما زالت تتردد في احياء الشويفات والمنطقة.
واعتقد آخرون ان سوريا سلمته المفقود شبل العيسمي (96 عاما) إبن ريف السويداء ومن مواليد عام 1925 والذي شغل منصب النائب الأسبق لرئيس الجمهورية السورية عام 1966، الذي اختطفته مجموعة موالية للنظام من لبنان، واقتادته إلى أحد مراكز الاعتقال في دمشق، وما يزال مصيره مجهولاً إلى الآن بعد مرور سنوات عدة زادت على الخمس على اختطافه رغم انشغال المسؤولين السوريين آنذاك بالثورة الداخلية التي كانت آنذاك في بداياتها.
ليست المرة الأولى التي يثبت فيها النظام السوري انه يرغب بالتعاطي مع اللبنانيين بالمفرّق وليس على اساس وجود دولة ومؤسسات، بل على قاعدة فرّق تسد لتعزز حيثما ارادت الشروخ بين اللبنانيين ولو كانوا من طائفة او مذهب واحد.
وعليه، توقفت مراجع امنية وسياسية امام المبادرة السورية التي اعادت عنصري امن الدولة الى لبنان فرأت فيها تجاهلا مطلقا للدولة ومؤسساتها. وقالت لـ”المركزية” ان الإتصالات التي اجراها المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا منذ اختطاف العنصرين لم تؤت نتائجها رغم شمولها من يعنيهم الأمر. ولم يصدق مما تلقاه المسؤولون من وعود سوى التأكيد على عدم وجود نية بقتلهما او محاكمتهما، لئلا تتكرر التجربة التي شهدتها جرود عرسال قبل اسابيع قليلة عندما اختطفت عناصر الهجانة السورية شابين لبنانيين بعد قتل الثالث ونقلهما الى الداخل السوري.
فاللبنانيون لم ينسوا بعد ما شهدته جرود عرسال فجر الثاني والعشرين من ايار الماضي عندما اختطف ثلاثة لبنانيين كانوا يتفقدون مزارعهم في الجرود والإفطار فيها وهم وسام يوسف كرنبي ونايف محمود رايد وحسين علي الحجيري. وعلى عكس ما حصل عند بوابة المصنع امس الاول حيث جرت عملية تسليم عنصري امن الدولة للحزب الديمقراطي، سلمت القوات السورية نتيجة للمساعي والإتصالات التي قامت بها المديرية العامة للأمن العام مخطوفي عرسال الى دورية منها في 3 حزيران الجاري عند معبر المصنع اثنين من المخطوفين الثلاثة كرنبي ورايد بعدما ثبت مقتل الحجيري.
وتعقيبا على هذه الأحداث قالت مراجع امنية لـ “المركزية” ان من الأفضل للقيادة السورية ان تتوقف عن عمليات القتل من دون سابق انذار والخطف على طول الحدود اللبنانية – السورية والتعاون مع الجانب اللبناني حيثما وجدت المواقع المتقابلة، لوقف عمليات تهريب الأشخاص والممنوعات بدلا من اطلاق النار على اللبنانيين، ان ضلوا الطريق في ظل عدم وجود ما يثبت الحدود بين البلدين في عشرات النقاط الحساسة. ففي لبنان مليون ونصف مليون نازح سوري ولا بد من ان تأخذ السلطات السورية التي تتحكم ببعض المعابر الشرعية وغير الشرعية ذلك بالإعتبار. ان زمن التدخل في الشؤون اللبنانية جُمِد الى امد لا يستطيع احد تقديره، ولم يعد امامهم سوى بعض المبادرات التي تُذكي نار الفتنة بين اللبنانيين والإستهتار بوجود الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
وانتهت المراجع الى القول ان ما جرى على طريق المصنع منذ يومين لا يعدو كونه “تنميرة” على الحزب التقدمي الإشتراكي في المواجهة المفتوحة مع الحزب الديمقراطي اللبناني وإذكاء للفتنة المذهبية بقدر ما شكلت إهانة للدولة اللبنانية ومؤسساتها؟ كما انها اثبات إضافي الى تجاوز المواقف السورية العلنية التي تبدي بعض السلطات فيها احتراما لبعض المسؤولين اللبنانيين، فإذا بها تضعهم جميعا في مركب واحد.