يكاد لا يخلو قطر عربي من تحركات شعبية، سياسية وإعلامية وثقافية، تدعو لمواجهة صفقة القرن ومقاطعة ورشة البحرين التي أعطاها صهر الرئيس الأمريكي اسم «ورشة السلام من أجل الازدهار»، وذلك في تعبير صادق عن أن الأمّة بالغالبية الساحقة من مكوناتها السياسية والعقائدية والحزبية والنقابية ترفض هذه الصفقة وكل ما ينبثق عنها، وهو ما عبّرت عنه في «ميثاق الأمّة لرفض صفقة العار» الذي صدر في بيروت في الثاني من شهر حزيران/يونيو 2019، في لقاء سياسي شعبي تحت شعار « متحدون ضد صفقة القرن» وحضره أكثر من 200 شخصية عربية وممثلي كل الفصائل الفلسطينية والقوى العربية بدعوة من من المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي – الإسلامي، والمؤتمر العام للأحزاب العربية، ومؤسسة القدس الدولية.
لقد انطلق مشروع رفض صفقة القرن ومقاطعة ورشة البحرين التطبيعية من أمور عدّة:
1- إن صفقة القرن هذه تتوج قرنا من الصفقات والمؤامرات والحروب والمشاريع والمخططات التي شهدتها الأمّة، وقاومتها وأسقطت الكثير منها، لأنها تدرك أن المستهدف فيها ليس تصفية القضية الفلسطينية فحسب، بل القضية العربية برمتها، بما هي قضية وحدة وتحرر وعدالة وتنمية واستقلال وسيادة وتجدد حضاري.
2- إن ملامح صفقة القرن وكل ما يتصل بها من مشاريع ومؤتمرات وورش قد اتضحت من خلال الخطوات الانفرادية التي قامت بها الإدارة الأمريكية سواء من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، اوتكريس السيادة الصهيونية على الجولان العربي السوري، أو شطب حق العودة، أو الإقرار بقومية الدولة الصهيونية، أو التمهيد لضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني.
وإذا كان الشعب الفلسطيني، وهو المعني أولاً بهذه الأمور، قد أعلن رفضه، بإجماع قواه، لهذه الصفقة فلم يعد هناك من مبرر لأي حكومة عربية أن تتعامل مع الصفقة أو الورشة بشكل إيجابي ، خصوصاً بعد أن أعلنت القمم الرسمية العربية المتتالية منذ عام 1974، أن منظمة التحرير الفلسطينية هي» الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، وبعد أن أكّد معظم الحكام العرب في غير مناسبة أنهم يقبلون ما يقبل به الشعب الفلسطيني، ويرفضون ما يرفضه.
3- إن «المبادرة العربية للسلام» التي وافق عليها الملوك والرؤساء والأمراء العرب في قمة بيروت عام 2002، والتي لدى القوى الحيّة في الأمّة تحفظات مبدئية واعتراضات جوهرية عليها، تقوم على مبدأ «التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل»، وهو أمر تناقضه تماماً صفقة القرن وما رشح عنها حتى الآن، لاسيّما مع هرولة بعض الأنظمة نحو التطبيع مع العدو، حيث اعتمدت هذه الصفقة مبدأ «التطبيع الكامل مقابل السيادة الكاملة للكيان الصهيوني على القدس والجولان والضفة الغربية».
4- إن هذه الصفقة وما يتصل بها من خطط وإجراءات، تناقض بوضوح روح الميثاق الأممي ونصوص القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي – الصهيوني، والتي تشدد بوضوح على الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967، ناهيك عما تحمله هذه القرارات من اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ومن تكريس لحق العودة حسب القرار 194.
5- تقوم «ورشة المنامة» التطبيعية على فكرة «السلام من أجل الازدهار» فيما لم تحمل كل معاهدات السلام التي عقدتها أنظمة في المنطقة إلا التدهور الاقتصادي والاجتماعي لشعوبها ، فهل حملت معاهدة كمب دايفيد الازدهار لمصر؟. وهل حملت معاهدة وادي عربة الازدهار للأردن؟. وهل حملت اتفاقيات أوسلو الازدهار لشعب فلسطين؟.
إننا إذ نسجل هذه الملاحظات التي تكشف تناقض صفقة القرن وتفريعاتها مع الحق الفلسطيني والإرادة العربية والقرارات الدولية، فإننا ندعو الحكومات إلى المقاطعة الكاملة لهذه الصفقة وللورشة التطبيعية التمهيدية في المنامة في 25 و 26 حزيران/يونيو الحالي، كما ندعو إلى أوسع تحرك شعبي عربي وإسلامي من أجل إسقاط صفقة القرن ومفاعيلها، وإلى بناء سياج شعبي عالمي من كل قوى التحرر في العالم في إطار معركة العدالة لفلسطين.
وما الملتقى الشعبي العربي الموسع الذي سيعقد في السابع من تموز/يوليو 2019، بدعوة من «لقاء متحدون من أجل مواجهة صفقة القرن» إلا محاولة من أجل ايجاد الإطار المناسب لمناقشة كل آليات وسبل مواجهة هذه الصفقة التي لم تبدأ «بورشة البحرين» ولن تنتهي مع نهايتها.