كتب د. مازن ع. خطاب في صحيفة “اللواء”:
تعمل عدّة شخصيات على إقرار قانون يسمح للمرأة اللبنانية بأنْ تُعطي جنسيتها لأولادها استناداً إلى مبدأ المساواة الدستوري، الذي كرّسته المادة 7 من الدستور، والتي تنصّ على أنْ يكون اللبنانيون سواء لدى القانون، وأن يتمتّعوا بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية، وأنْ يتحمّلوا الفرائض والواجبات العامة دون أي فرق بينهم.
إلا أنّ قوانين منح الجنسية المُعتمدة هي تمييزية، وليست متوافقة مع نصوص الدستور وروحه بخصوص المساواة في حقوق اكتساب الجنسية، وبالتالي تتعارض مع مبدأ سمو الدستور على جميع القوانين.
وهذه الآفة التمييزية في قوانين الجنسية واضحة في نصوص القانون الصادر بالقرار رقم 15 لعام 1925 التي تُميّز الرجل والمرأة لاسيما في منح حق الجنسية للأطفال؛ كذلك القانون الصادر بتاريخ 11 كانون الثاني عام 1960، والذي تضمّن نصوصاً تُميّز الرجل والمرأة، لاسيما المرأة اللبنانية المقترنة بأجنبي في ما خص طلب الجنسية.
وبالتالي، تُشكّل هذه القوانين خرقاً صارخاً لمبدأ المساواة الدستوري لأنّها تمنع المرأة اللبنانية المقترنة بأجنبي من إعطاء أولادها وزوجها حق التمتع بحقوق المواطنية اللبنانية، بينما تسمح للرجل اللبناني المقترن بأجنبيّة بأن يعطي الجنسية لزوجته واولاده.
وإذا استندنا إلى المبدأ القائل بأنّ «الجنسية تُعطى برابط الدّم»، فذلك يعني حق الأولاد بالحصول على الجنسيّة اللبنانية إذا كان أيُّ من الوالدين لبنانياً. بهذا، يصبح لزاماً على لبنان استبدال القوانين البالية بقانون حديث يحدّد شروط الحصول على الجنسية اللبنانية بشكل شفّاف ودون تمييز، ما يسمح للمرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني بإعطاء جنسيّتها لأولادها.
وبالرغم من المسوّغ الدستوري المشار اليه أعلاه، يقف البعض في وجه إقرار قانون جديد للجنسية بحجّة ان هكذا قانون سيكون بمثابة توطين مقنّع، وهو ما لا يسمح به الدستور الذي يرفض التوطين بشكل شامل وغير مجتزأ بحسب ما جاء في الفقرة «ط» من مقدّمته. كما أنّ هناك تخوّفاً من بعض القوى السياسية أن يؤدي منح المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي يحمل جنسية عربيّة (وخصوصاً من فلسطيني أو سوري) جنسيتها لأولادها إلى تغيير لديموغرافيّة لبنان وزيادة عدد المسلمين.
وهذه الحجج الواهية دليل على عدم إلمام المناوئين لقانون جنسية جديد بمعنى التوطين، خصوصاً أنّ هناك ثغرة ناجمة عن خلوّ النصوص التشريعية اللبنانية من تعريف رسمي لمصطلح «توطين»، الذي يعني في الإطار العام تثبيت اللاجئين في بلد اللجوء بعد موافقة الدولة على قبولهم ومنحهم الاستقرار الدائم في نهاية المطاف. أمّا في الإطار اللبناني وفي ظلّ اللجوء الفلسطيني والسّوري، يمكن تعريف التوطين على أنّه: «إعطاء اللاجئين في لبنان الجنسية اللبنانية بشكل جماعيبموجب قرار سياسي يأتي في سياق تسوية إقليمية أو دولية، سواء تم ذلك دفعة واحدة أو على دفعات».
من الواضح إذاً ان إعطاء المرأة اللبنانية جنسيّتها لأولادها بموجب رابط الدمّ وبمسوّغ القانون لا يمكن ان يُعتبر توطيناً إلا في عيون مرضى الطائفية، وإلا ماذا يُقال عن مراسيم التجنيس المريبة ومراسيم استعادة الجنسيّة الانتقائية، التي تُعطي الجنسية لمحظيّين من طائفة معيّنة؟