Site icon IMLebanon

الحرب تُفقد واشنطن أوراقها لتجريد إيران من نفوذها وتبدد صفقة القرن

كتب أنطوان الاسمر في صحيفة “اللواء”:

لم يسحب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب التراجع عن قرار توجيه ضربة الى الإيران قبل ١٠ دقائق من تنفيذها، فتيل التوتر الإقليمي الذي بلغ حدا أقصى ينذر بمضاعفات خطرة على الأمن العالمي، بالتوازي مع مواصلة الجيش الإسرائيلي مناوراته الضخمة لمحاكاة حرب في الجبهتين الشمالية والجنوبية، مرتبطة حكما بمآل الصراع الأميركي – الإيراني.

يتلمّس ديبلوماسي أوروبي عامل في بيروت حال المنطقة بقلق شديد، آملا في أن يبقى الستاتو-كو الحاكم على حاله رغم ارتفاع معدلات التوتر الأميركي- الإيراني. ويبدي إعتقادا بأن المنطقة على فوّهة نار، لكن الحرب بمفهومها الشامل مستبعدة، لأن الجميع يستطيعون تقدير أهوالها، لكن أحدا من المعنيين ليس في مقدرته تحمل وزرها وإنعكاساتها المرعبة على الأمنين الإقليمي والدولي، سياسيا وأمنيا وإقتصاديا، وحتى اجتماعيا.

يستند هذا الديبلوماسي في إستبعاده الحرب الواسعة، وحتى المحدودة منها، على الأقل في هذا التوقيت، الى جملة عوامل، منها:

أ-التداعيات الاقتصادية والمالية لها والتي ستنسحب حكما على النظام العالمي بأسره، ولن تكون واشنطن في منأى عنها، وخصوصا لجهة وجود إحتمال عال لإنهيار عالمي لمنظومة الاقتصاد الحاكمة، بما يؤدي حكما الى تأثر الاقتصاد الأميركي، جوهرة تاج الرئيس ترامب الذي يعدّ الاستقرار الاقتصادي وخلق فرص العمل وتعزيز الإستثمارات الوطنية من خلال جبْر الشركات الأميركية على العودة الى الداخل، أحد أهم إنجازاته الذي أهّله الى كسب الرأي العام الأميركي، وتاليا السعي الى الفوز بالولاية الرئاسية الثانية.

ب-تيقّن الإدارة الأميركية أن أي حرب واسعة على إيران ستكون موضعية وعقابية لا شاملة، ولن يكون من ضمن أهدافها إسقاط النظام الإسلامي الحاكم وتغييره، مما يعني حكما تعزيز سطوته داخليا، وربما نجاحه في مراكمة عطف شعبي يجعله يتخطى التململ من الضيق الاقتصادي الذي يعاني منه الإيرانيون نتيجة سياسة عصر إيران.

ج-ستؤثر أي حرب في المجهود الأميركي لعقد صفقة مع روسيا في سوريا، تؤدي الى تطويق سياسي لإيران، وتاليا تقويض سطوتها على عدد من العواصم العربية، فيما أي حرب لا تغيّر النظام تطيح بكل هذا المجهود، وتحرج الشريك الروسي أشد إحراج. ومعروف أن ترامب يسعى إلى صفقة مع الرئيس فلاديمير بوتين تتضمن رفع  الحصار عن روسيا مقابل تأمين أمن إسرائيل في المنطقة، وترمي الى تضييق الخناق على ايران لإضعاف قدرتها على التأثير في نتائج التسوية في سوريا والتي سيكون شعارها أيضا أمن إسرائيل اولا. وتتعامل واشنطن مع طهران بمنطق استعراض القوة، بينما تتعامل موسكو بالسياسة معها ومع اذرعها في دمشق، في مسعى الى تجريدها من أي دور سوري سياسي أو عسكري، وتمنعها إستطرادا من المشاركة في إعادة الاعمار. وبذلك تحكم واشنطن حصارها على طهران وتغلق أي منفذ يمكن أن تطل منه سياسيا، والأهم إقتصاديا – ماليا، وهي التي ترزح تحت حصار غير مسبوق يخنقها شيئا فشيئا.

دـ-قد تخسر واشنطن في حال أي تصعيد إقليمي غير مضبوط، الدعم الروسي التي تأمل كسبه لمؤازرة سياستها في المسألة الإيرانية، وخصوصا فيما يتعلق بالعقوبات التي من شأنها ان تجبر إيران على العودة إلى مفاوضات تهدف إلى تطوير الاتفاق النووي وتقليص التأثير الإيراني الإقليمي.

هـ-من الأفضل للإدارة الأميركية، قبل أي مبادرة عسكرية في حال نوت عليها، أن تنتظر نتائج اللقاء الثلاثي الذي يجمع في تل أبيب في ٢٤ و٢٥ حزيران، المسؤولين الثلاثة عن الأمن القومي، جون بولتون ونيكولاي باتروشيف ومئير بن شبات. وسيتناول الاجتماع الأمني الرفيع الملف السوري كأحد أبرز البنود في جدول أعماله، وسط سعي إسرائيل والولايات المتحدة الى تثبيت مسار التسوية الذي تقوده الأمم المتحدة في جنيف، وتحييد مسار الأستانة الذي تشارك فيه روسيا وإيران وتركيا، في موازاة الدفع في إتجاه إصلاحات سياسية في سوريا، ثمنها القبول الأميركي بالاقتراح الروسي حفظ المكانة الرسمية للرئيس بشار الأسد، بحيث يتمكن من المشاركة وربما الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

و-ستؤدي أي حرب الى تحييد، بل تصفير كل الجهود التي تقوم بها واشنطن على مستوى المنطقة لتطبيع العلاقة العربية مع إسرائيل تمهيدا لصفقة القرن (المؤجلة واقعا). ومن نافل القول ان هذه الصفقة هي طموح شخصي وسياسي للرجل القوي جاريد كوشنير، صهر الرئيس والطامح الى دور سياسي أكبر، أميركيا وربما دوليا، بصفته القادر على تحقيق ما عجزت عنه حروب وتفاهمات وخطوط فصل وصفقات ومؤامرات وحتى إتفاقات سلام!