سررت بتلبية دعوة رئيسة جمعية “طرابلس حياة” التي تنظم مهرجانات طرابلس الدولية الأستاذة سليمة أديب ريفي لحضور حفل افتتاح مهرجانات طرابلس لسنة 2019. ويمكنني التأكيد أن المشهد فاجأني. ليس مشهد المسرح والفنانين على الإطلاق لأنه كان في غاية البساطة والتواضع اللذين صنعا روعته، لكن ما فاجأني هو حجم الإقبال الجماهيري من أهل طرابلس لحضور المهرجان، والتمتّع بالموسيقى والفن والفرح، والتمايل على أنغام الأغنيات التي صدحت بها أجواء عاصمة الشمال من قلب معرض رشيد كرامي الدولي.
أثبت أهل طرابلس أن مدينتهم ليست قندهار ولن تكون، كما برهنوا أنهم كجميع اللبنانيين يحبون الحياة والفرح والموسيقى والرقص.
من مهرجانات طرابلس الدولية أرسل أهل أفقر مدينة على حوض البحر الأبيض المتوسط رسالة إلى جميع من يعنيهم الأمر من مسؤولين في لبنان أن طرابلس أرضاً خصبة بالفعل، ولكن ليس بالضرورة أبداً أن تكون خصبة للتطرّف أو الإرهاب لا سمح الله. إنها أرض خصبة بأهلها وناسها المضيافين والمحبين والمتواضعين، وأهلها هم الأرض الخصبة التي تنبت بحسب ما يزرعها المسؤولون. إن زرعوها حقداً وإهمالاً وبطالة وتضييقاً اقتصادياً، وإن أمعنوا في الملاحقات الجائرة، وإن تركوا أبناءها لسنوات طويلة في السجون من دون محاكمات، ستُنبت طرابلس “ذئاباً منفردة” كثيرة تقوم بردود فعل انتقامية غبية كنتيجة للإمعان في إهمال المدينة وأهلها.
أما إن زرعوا طرابلس حياة وفرحاً ودورة اقتصادية وفرص عمل تحفظ كرامة أهلها، فإن طرابلس قادرة على أن تعود لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط، وقادرة على جذب السياح بتاريخها وآثارها وأسواقها وحرفها وكرمها ومأكولاتها وحلوياتها وشخصياتها ومساجدها وكنائسها.
نعم طرابلس بأهلها وناسها الطيبين أرض خصبة، كما تزرعها تعطيك. وبهذا المعنى بوركت يدا سليمة ريفي وغيرها ممن يعملون جاهدين لزرع بذور المحبة والفرح والعلم في مواجهة المستفيدين من ترك الساحة الطرابلسية مستباحة لتبقى في خدمتهم كبريد للرسائل السياسية والأمنية على حساب دماء أهل المدينة واقتصادها ولقمة عيش أبنائها!
حان الوقت للالتفات إلى طرابلس كونها قادرة على لعب دور خزان اقتصادي هائل، تماماً كما كل الدول تنظر إلى الصين حيث اليد العاملة رخيصة وبالتالي تتجه إلى تركيز معظم إنتاجها هناك، فلم لا تتجه أكثرية الصناعات إلى الاستثمار في طرابلس وناسها، حيث كلفة اليد العاملة متدنية جداً وأرخص من اليد العاملة السورية في كل المناطق؟
لمَ لا نركز على تطوير الصناعات الحرفية التي يتقنها أهل طرابلس ونعمل على تسويقها داخليا وخارجيا، وجعلها مادة استقطاب سياحية؟ ولمَ لا نفعّل السياحة في طرابلس “بي الفقير” والقادرة على استقطاب مئات آلاف السياح سنوياً بقلعتها ومينائها وأسواقها ومطاعمها وحلوياتها ومعالمها… ومهرجاناتها؟ وبالمناسبة لمَ تصرّ وزارة السياحة على التضييق على مهرجانات طرابلس في وقت تساعد فيه كل المهرجانات على الأراضي اللبنانية؟!
يكفي تشويهاً لصورة طرابلس، وآن الأوان لعودة المدينة إلى حضن الاقتصاد الوطني وأولويات المسؤولين. كفى عبثاً بعاصمة الشمال. هكذا نحارب الفقر والتطرف والإرهاب. أعيدوا الحياة إلى طرابلس… أعيدوها طرابلس حياة!