كتبت فاتن الحاج في صحيفة “الأخبار”:
في خطوة غير مسبوقة، ضغطت بعض أحزاب السلطة على الأساتذة المحازبين والمحسوبين عليها لعدم التزام قرار هيئتهم النقابية الاستمرار بالإضراب، ووصلت رسائل إلى الطلاب بالعودة إلى الصفوف اليوم، علماً بأن أكثر من نصف مندوبي الرابطة نقضوا قرار فك الإضراب في «انتخابات ديموقراطية»
كسر معظم مندوبي رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية قرار أحزاب السلطة فك الإضراب. 94 من أصل 143مندوباً (66%) صوّتوا لنقض وقف الإضراب مؤكدين أن «الكلمة لنا» في وجه ترهيب مارسته أحزابهم، تارة بفرض العودة إلى التدريس بلا مكاسب، وأخرى باستدعائهم إلى لقاءات حزبية، وطوراً بتعطيل نصاب الجلسة الاستثنائية لهيئتهم النقابية. وبعد صدور النتيجة، دعا رئيس الهيئة التنفيذية للرابطة يوسف ضاهر إلى «التوحد حول قرار الأكثرية في مجلس المندوبين: لا تعليم الإثنين».
التصويت على الاستمرار في الإضراب خالف حسابات الأحزاب وفاق توقعات المؤيدين. الطرفان ظنّا أن النتيجة ستكون «عالمنخار» بالحد الأقصى. في الواقع، ليس تفلت الأساتذة من أحزابهم وحده ما أفضى إلى هذه الانتفاضة، وإن كانت هذه الظاهرة نمت بشكل ملحوظ خلال الإضراب. بل إن «حجم الإهانة كان كبيراً»، بحسب عدد من المندوبين المشاركين. مصادر الأساتذة قالت إن «الاستفزاز» بدأ ليلاً خلال حفل عشاء أقامه رئيس مجلس المندوبين علي رحال (حركة أمل) في منزله للضغط على المندوبين، في حضور وزير المال علي حسن خليل الذي وعد بإلغاء كلمة «تدريجياً» من نص المادة التي تطال المنح التعليمية، وبالتالي عدم المس بصندوق التعاضد. وهنا هال المندوبين أن يطلق الوزير وعده من أحد المنازل بعدما كان رفض ذلك في الاجتماع الذي عقد في وزارة المال وعلّقت الرابطة الإضراب على أساسه. وفي كل الأحوال، قالت مصادر الأساتذة: «لم نعد نصدق سلطة لحس أركانها تواقيعهم على اقتراح قانون معجل مكرر لإعطائنا ثلاث درجات، فكيف نثق بوعود شفهية؟».
«الاستفزاز» استمر في النهار الانتخابي مع إحضار عناصر مكافحة الشغب و«تفتيش» الطلاب، وما نسب الى رحال قبيل دخوله مركز الرابطة بأنه «إذا نُقض القرار. محضرين ناس تيقولوا نحن لا نلتزم». وزاد الطين بلة تصريحه في حضور رئيس الهيئة التنفيذية بأن «الدكاكين غير مسموحة في العمل النقابي»!
التصويت على الاستمرار في الإضراب خالف حسابات الأحزاب وفاق توقعات المؤيدين
كل هذا أدّى إلى مشاركة غير مسبوقة في جلسة مجلس المندوبين. إذ لم يحدث في تاريخ الرابطة أن حضر هذا العدد (143 من أصل 165 مندوباً). المفاجأة الأكبر كانت عدم تجاوز عدد المستجيبين لقرار أحزابهم الـ 46 مندوباً، من 150 عضواً ينتمون إلى أحزاب أو محسوبين عليها.
وبعدما كانت السلطة اكتفت بالاتفاق الذي حصل في وزارة المال، فإن قرار مجلس المندوبين يفرض مرة أخرى الحوار حول المطالب، بدليل إعلان وزير التربية أكرم شهيب «أننا نحترم قرار أكثرية المندوبين بنقض قرار الهيئة التنفيذي بوقف الاضراب مؤقتا، وسنقوم بالجهود اللازمة لاستكمال الحوار الهادئ والبناء مع الهيئة التنفيذية والعمل مع المسؤولين في الدولة على تحقيق ما يمكن تلبيته من المطالب المشروعة للأساتذة وإنقاذ العام الجامعي».
إلاّ أن أساليب الضغط التي تمارسها الأحزاب لم تتوقف حتى بعد إعلان رئيس الهيئة التنفيذية الاستمرار بالإضراب، إذ وصلت رسائل إلى الطلاب مثل «لا إقفال للكليات بوجه الأساتذة الراغبين بإعطاء الدروس»، ما أثار تساؤلات عما إذا كانت بعض الأحزاب قد ضغطت على أساتذتها لخرق قرار الهيئة التنفيذية بالعودة إلى الإضراب؟ ضاهر حسم الارباك في اوساط الطلاب، فجدد تأكيد التزام الهيئة التنفيذية قرار مجلس المندوبين نقض وقف الإضراب المفتوح، «اي ان الاستمرار في الاضراب ساري المفعول تلقائيا وملزم للهيئة». وأكد أن لا قيمة قانونية واجرائية من خارج مكونات الرابطة لأي جهة تصدر بيانا مخالفا أو مزكيا له. وفيما دعا رحال إلى تدارك الوضع لإنقاذ العام الدراسي، رأى في موقف أصدره ليلاً انه يقتضي الالتزام بقرار الهيئة التنفيذية مهما كان على قاعدة وحدة الاساتذة
مسؤول القطاع الجامعي في تيار المستقبل محمد الصميلي أكّد لـ«الأخبار» أن «أساتذتنا ملتزمون القرار النقابي». فيما أشار المسؤول التربوي في التيار الوطني الحر روك مهنا إلى أنّ «أساتذتنا أخذوا توجيهات حزبية بالعودة إلى التدريس منذ القرار الأول للهيئة التنفيذية للرابطة بوقف الإضراب، والتوجيهات سارية المفعول. فبين خيار الالتزام بقرار الهيئة النقابية وبين مصلحة 80 ألف طالب، سنأخذ الخيار الثاني، ثم أننا لسنا أعضاء في الهيئة التنفيذية و60% من مندوبينا صوتوا مع فك الإضراب و40% مع استمراره، وهؤلاء من المحسوبين وليسوا من المحازبين». مسؤول ملف الجامعة اللبنانية في هيئة التعليم العالي في حزب الله يوسف زلغوط أوضح أننا «تركنا الحرية للأساتذة أن يلتزموا بقرار نقابتهم أو يعودوا إلى صفوفهم لكون العام الدراسي ومصير الطلاب باتا على المحك، وهناك خطر أن يخسر المتعاقدون ساعاتهم».