لم يعُد مُبالَغَةً القولُ إن لبنان بات «يرقص على حَبْلٍ مشدودٍ»، طَرَفُه الأوّل المواجهة حتى خطّ النهاية، تَفاوُضاً أو حرباً، بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة، وطَرَفُه الآخَر بدء تَبلْوُرِ مرتكزاتِ «صفقة القرن» التي سيكون شقُّها الاقتصادي محورَ مؤتمرِ «من السلام الى الازدهار» في المنامة. ومن على هذا الحبْلِ تُقاوِمُ بيروت «جاذبيةَ السقوطِ» في «فوهة البركان» الاقليمي كما في «حقل الألغام» الداخلي الذي تشكّله ملفات مالية – إدارية وسياسية استدرجتْ «حروباً صغيرة» تكاد أن تطغى على قرقعة السلاح في الإقليم.
وبدا أمس كأن بيروت فوجئتْ بأن ملف «صفقة القرن» صار على الطاولة بعدما «دشّنه» جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كاشفاً عن المرحلة الأولى (الجانب الاقتصادي) من الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط والتي ستُبحث في مؤتمر المنامة وتنطلق من اقتراح استثمارات بقيمة 50 مليار دولار في الأراضي الفلسطينية ومصر والأردن ولبنان.
وفيما قابَلَ لبنان الرسمي، الذي لن يشارك في مؤتمر البحرين، كلام كوشنر بصمْتٍ، عاجَلَ رئيس البرلمان نبيه بري الجميع بموقفٍ غَمَزَ من قناة هذا «الغياب»، فأعلن أنه «بانتظارِ موقفٍ لبناني رسمي جامِع وموحّد حيال ما كشفه السيد كوشنر عرّاب ما يسمى صفقة القرن (…) وكي لا يفسّر البعض الصمت الرسمي اللبناني قبولاً بالعرض المسموم، نؤكد أن الاستثمار الوحيد الذي لن يجد له في لبنان أرضاً خصبة هو أي استثمار على حساب قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني بالعودة الى أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف».
وأضاف: «يخطئ الظنّ مَن يعتقد أن التلويح بمليارات الدولارات يمكن أن يُغْري لبنان الذي يئنّ تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة على الخضوع أو المقايضة على ثوابته غير قابلة للتصرف وفي مقدمها رفض التوطين الذي سنقاومه مع الأشقاء الفلسطينيين بكل أساليب المقاومة المشروعة»، وتابع: «مستر كوشنر لن يكون لبنان واللبنانيون شهود زور أو شركاء ببيع فلسطين بـ 30 من الفضة».
وإذا كان لبنان معنياً بملف «صفقة القرن» من زاويتيْ اللجوء الفلسطيني على أرضه والنزاع الحدودي مع اسرائيل إضافة لاحتضانه «الجبهة النائمة» بينها وبين «حزب الله»، فإنّ هذا العنوان الجديد لم يَطْغَ على التوتّر غير المسبوق في الخليج مع وقوف الولايات المتحدة وإيران كلٌّ «على سلاحه» في سياق المواجهة التي باتت تُراوِح بين حدّيْن إما التفاوض بعد التفاهم على مَن يسبق مَن، وقف العقوبات أو الجلوس على الطاولة، وإما حربٌ بالنقاط أو على طريقة… الضربة القاضية.
ويزداد يوماً بعد آخَر اهتمامُ لبنان بما بعد إشعال فتيل «برميل البارود» في المنطقة وإذا كانت الأيام المقبلة ستفضي إلى إطفائه قبل الانفجار الكبير الذي لن تَسْلَم منه «بلاد الأرز» في ضوء ارتباط «حزب الله» بهذه المواجهة إذا بلغتْ مرحلة «يا قاتِل يا مقتول»، وسط اقتناعٍ داخلي وخارجي بأن أي طرفٍ داخلي رسمي أو حزبي، لا يملك «مفتاح التحكّم» بتوجهات الحزب المتصلة بالمعركة الاستراتيجية في الإقليم.
ومع كل طلعة شمس، يُلْهي لبنان نفسَه بقضاياه الداخلية، من مشروع موازنة 2019 التي تقترب من الوصول الى الهيئة العامة للبرلمان، الى التعيينات و«الكوتا الحزبية» فيها، مروراً بالإضرابات والاحتجاجات على بعض توجهات الموازنة والتفاعلات السياسية لمواقف ذات صلة بإدارة الحكم والتوازن الطائفي، في حين تجْهَد الأطراف الوازنة لتكوين صورة واضحة عن مسار «التدافُع الخشن» المباشر على خط واشنطن – طهران واحتمالاته لا سيما أن الخيارات الحربية في المنطقة يمكن أن تطيح بكل البناء المالي – الاقتصادي الذي يجْري العمل عليه بملاقاة مؤتمر «سيدر» ومقتضياته كآخِر «فرص الإنقاذ».
وفي هذا الإطار، تُبْدي أوساط مطلعة عبر «الراي» خشيةً من المرحلة المقبلة «في ضوء الاقتناع في بعض الدوائر الديبلوماسية بأن إيران «الجريحة» التي «تخنقها» العقوبات ليست في وارد التراجُع عن «النسَق الهجومي» المتدحْرج الذي تُراكِمه تباعاً باعتبار أنه قد يصنع «الفرصة الأفضل» لتخفيف طوق العقوبات «المميتة» على طهران من دون تفجير الحرب الشاملة».
وفي رأي هذه الأوساط أن إيران، التي تلعب على وَتَر عدم رغبة ترامب – الرئيس بالدخول في«حربٍ مدمّرة»، ستمْضي في العمليات المُدوْزنة للتلاعب بأعصاب ترامب – المرشّح، وذلك على أكثر من محور، معربة في هذا الإطار عن توجُّس من أي قراءة إيرانية خاطئة لِما يبدو أنه تَردُّد من الولايات المتحدة التي يصعب تَصوُّر تسليمها بأي تهديد لأمنها القومي أو امتحان صدقيتها تجاه حلفائها في المنطقة في اللحظة التي تدْفع نحو إكمال نصاب «صفقة القرن»