تجدّدت الأحد جولات الاشتباك الكلامي بين تيار المستقبل والحزب الاشتراكي، كادَ يتطور لولا وساطة من رئيس مجلس النواب نبيه بري أدت الى هدنة جديدة. يعدّد الطرفان مآخذ كل منهما على الآخر، لكن قد يكون السبب الأصدق لخلافهما هو شح المال السياسي، فولّدت «القلة النقار»!
لأن الوقت الضائِع هو تربة خصبة للارتباك والعجز عن الفعل، أصبحَت الحروب الداخلية الصغيرة «الشغل الشاغل» لبعض الأحزاب والتيارات المدركة تماماً عجزها عن إحداث فرق أو تغيير في المشهد، وباتت المهاترات هي الخبز اليومي لكثير من السياسيين. وليسَ أكثر تعبيراً عن ذلك من ما شهدته البلاد يومَ أمس بينَ رئيس الحكومة سعد الحريري ومعه تيار المستقبل من جهة، ومن جهة أخرى الحزب التقدمي الإشتراكي. إذ تجدّد الاشتباك بينهما بعدّ أقل من ثلاثة أسابيع على السجال «التويتري» الذي أشعلته المداورة على رئاسة بلدية شحيم التي تم الاتفاق عليها مسبقاً بينهما. فجأة تحولت الحسابات الزرقاء بين المستقبليين والاشتراكيين الى ما يُشبه ساحة معركة بين أطفال يقف بعضهم للبعض الآخر على الكوع، وذلك عقبَ تصريح لوزير الصحة وائل أبو فاعور إعتبر فيه أن «العلاقة مع المستقبل ليسَت على ما يُرام»، وردّ عليه الحريري عبرَ «تويتر» قائلاً: «مشكلتكم يا إخواننا في الحزب التقدمي الاشتراكي مش عارفين شو بدكم. لما تعرفوا خبروني».
بعدَ تغريدة الحريري، حلا لنواب الطرفين وكوادرهما خوض النزال، وصار كل واحد «من عنده يفيض». بداية سارع النائب بلال عبدلله بالإجابة «مشكلتنا معك دولة الرئيس للأسف، أننا نعرف ونعلم ماذا تريد. وبماذا تفرط، خاصة بشيء ليس ملكك، وكيف تجاهد كل يوم لإضعاف بيئتك بحجة حماية الوطن، بينما الحقيقة في مكان آخر». ثم ردّ عليه النائب محمد الحجار فقال: «عزيزي بلال، الرئيس الحريري ما بفرط بحقوق حدا، ولا بيقلب ألف قلبة، وببيع الحلفا عكل كوع ومفرق. مشكلة دولته معكن انو عزز بيئته. ما عدتو قادرين تبيعو عضهرها وتتاجرو وتبتزو باسم العلاقة معه ومعها. وخبر رفيقك رامي الريس إنو عنا رئيس حكومة معبي مركزه، بس ما عاد قادر يعبي جيوب تعودت عالغرف». ما دفع بعبدالله إلى الردّ مجدداً قائلاً: «ردي الوحيد حول الحرص على البيئة التي لنا شرف تمثيلها، كيف يفسر لنا الفيتو على نجاح أبناء منطقتنا الباهر وبكفاءة، في مباراة الجمارك، وكيف يترك مجلس الخدمة المدنية، ملاذ أهل الإقليم، عرضة للتجريح والإساءة. احتراماً لبلدتي ومنطقتي لن أساجلك». ومن جهته، ردّ النائب الاشتراكي هادي أبو الحسن «إذا بتحب دولتك تعرف شو بدنا! بكل احترام رح نقلك، بدّنا نشوف هالمشهد على طاولة مجلس الوزراء حتى يبقى الطائف بخير وما نفرط بالوصية».
تغريدات نائبيّ «الاشتراكيّ» استدعت رداً عنيفاً من الحريري، فكتب «واضح أنكم عارفين. ساعة يلا هدنة إعلامية بعد نص ليل هجوم، بعدين بتسحبوا التويت واعتذار. على كل حال خلي الناس تكون الحكم، أو حتى هيدا ممنوع عندكم، وللعلم الي عم يحاول يرمي زيت على النار معي ما بيمشي». وأضاف في تغريدة لاحقة: «قال شو الاشتراكي عم يحكي بالوفاء… نكتة اليوم». ولم يكن ينقص سوى دخول الأمين العام لتيار المستقبل، أحمد الحريري، على خط السجال، معتبراً أن «بيضة القبان انفقست». ووصل الأمر بأحمد الحريري إلى حد «تبنّي» تغريدة للوزير السابق وئام وهاب جاء فيها: «يا شيخ سعد، الوحيد إلي كان يعرف شو بدو وليد بك كان أبوك، الله يرحمو. كان عندو الدوا. هلق المشكلة الدوا مقطوع من السوق، والكل طفران. بدك تتحمّل»! وربما في تغريدة وهاب السبب الحقيقي للخلاف. فالشح المالي أصاب الحليفين الحريري ووليد جنبلاط، ولم يعد في مقدورهما جسر الهوبة بينهما بالقليل من ما سمّاه رئيس الاشتراكي في إحدى وثائق ويكيليكس «القوافل المحملة بالذهب والزمرّد من الربع الخالي» («الأخبار»، 6 نيسان 2011) ففي برقية مؤرخة يوم 11 تموز 2006، كتب السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان لإدارته قائلاً: «بدل أن يشعر بالخجل من حاجته للتسوّل، تحدّث جنبلاط بسرور عن رسالة كان قد أرسلها إلى شريكه في 14 آذار، سعد الحريري، الابن الثاني لرفيق الحريري ووريثه السياسي، وعبّر جنبلاط فيها عن أمله أن تصل قوافل الحريري «المحمّلة بالذهب والزمرّد من الربع الخالي بسلام»، والتي قد ينوي الحريري أن يخصّص منها لجنبلاط «بعض القطع النقدية الصغيرة». وفي خطوة اعتبرها جنبلاط طريفة جداً، وقّع رسالته باسم «العبد الفقير»(…)».
جنبلاط دعا المناصرين الى عدم الوقوع في فخ السجالات
وفيما كان الجميع يرصُد السقف الذي سيصله هذا الاشتباك، تدخل جنبلاط لوقفه. فتوجّه إلى «جميع الرفاق والمناصرين مطالباً بعدم الوقوع في فخ السجالات والردود العلنية مع تيار المستقبل»، ومُرفقاً تغريدته بصورة لمنشر غسيل، قبلَ الإعلان عن اجتماع عقد بين الوزير السابق غطاس خوري وأبو فاعور بوساطة من رئيس مجلس النواب نبيه بري خلص الى التوافق على وقف السجال الإعلامي بين الطرفين.
وفيما استغربت مصادر «الاشتراكي» ردّ الحريري وهجمة نوابه، قالت إن «العلاقة مع المستقبل لم يحصل فيها تطور إيجابي، لكن في الوقت نفسه لم يحصل أي شيء يستدعي كل هذه الحملة»، معتبرة أن «ما قاله أبو فاعور كان ودياً وينطلق من الحرص على التاريخ الذي جمع جنبلاط بالحريري». فيما رجحت أن يكون السبب «ذيول ما حصل في شحيم، ولا سيما أن البلدية حصل فيها انتخابات بعد الخلاف على المداورة، وربما النتيجة لم تأت على خاطر الحريري». من جهته، يحمل تيار المستقبل النائب جنبلاط مسؤولية ما نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» عن «تدهور العلاقة بين جنبلاط والحريري»، وقد اتهم مستقبليون جنبلاط بأنه مصدر الخبر. ومن الواضح أن تيار المستقبل لا يزال يقف عند رسالة الواتساب النصية التي توجه بها جنبلاط الى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، قبل نحو أسبوع، وضمّنها إساءة إلى الحريري، ثم عاد واعتذر عنها.