Site icon IMLebanon

قضية التمليك في الحدث: ماذا بقي من روح تفاهم مارمخايل؟

كتب غاصب المختار في صحيفة اللواء:

 

أثارت مسألة رفض بلدية الحدث تمليك شقق لغير المسيحيين بلبلة سياسية وشعبية وحزبية، هي في غير أوانها ولا لزوم لها كونها تترك انعكسات سلبية على الوضع العام وتعيد إحياء العصبية المسيحية – الاسلامية، كون القرار متخذ منذ نحو ثمان او تسع سنوات ويتم تنفيذه من وقتها، وكونه لا يشتمل فقط على بلدة الحدث بل عدد من قرى قضاء بعبدا المسيحية، وكانت الامور «ماشية ومسكوت عنها»، فما عدا مما بدا حتى اثار احد الشبان رفض بيعه شقة في الحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجاءت الردود عليها قاسية في بعض الاحيان ومن شبان مسلمين ومسيحيين، حتى وصل الامر الى تنظيم تظاهرة واعتصام لأهالي الحدث تضامنا مع قرار البلدية، والى صدور دعوات لتظاهرة مماثلة في الجانب الاخر.

 

وبغض النظر عن عدم تطابق قرار البلدية مع الدستور والقانون، حيث تختلف القراءات بين مؤيد لتطبيق الدستور الذي لا يمنع التملك في اي منطقة، وبين رأي قانوني يقول «ان البيع والتأجير يخضعان لحرية المتعاقدين ولا يستطيع احد أن يُجبر احداً على بيع او تأجير ملكه، بالمقابل لا يجوز لأحد أن يحد من حرية المالك بكيفية التصرف بملكه»، إلا ان القوى السياسية في منطقة ساحل بعبدا متفقة او متفاهمة منذ سنوات على هذا القرار مع «التيار الوطني الحر»، حتى حركة «امل» و«حزب لله» واهالي منطقة الضاحية الجنوبية بمعظمهم تفهموا دوافع التيار والبلدية، كون اكثر من نصف مساحة عقارات الحدث من سقي الحدث – اوتوستراد هادي نصر الله وصولا حتى طرق الشام القديمة – السان تيريز، بات يملكها المسلمون، وبقيت بلدة الحدث القديمة شرق الطريق ملك المسيحيين مع بعض الاستثناءات الاسلامية القليلة والقديمة، ولكن يبدو ان هذه القضية جاءت لتؤكد هشاشة الوضع اللبناني الداخلي السياسي والشعبي، ووصوله الى الدرك الاسفل من التردي على كل المستويات، حتى بات عدم بيع شقة يخلق اصطفافات سياسية وشعبية ذات منحى طائفي بغيض، نتيجة الشحن السياسي الشعبوي والطائفي والمناطقي.

 

وهذا المنحى الشعبوي – الطائفي الرخيص لاستغلال اية فرصة من اجل تثبيت موقف ما من قبل بعض القوى السياسية المسيحية والاسلامية، هو الذي اوصل البلاد  والعباد الى حالة من التفكك المجتمعي المفترض انه زال او قيد المعالجة في بعض المناطق ذات الحساسية الاسلامية – المسيحية، لا سيما بعد «تفاهم مار مخايل» بين «حزب الله والتيار الحر» والذي خلق وقتها حالة من الارتياح السياسي والشعبي، لكن يبدو ان هناك مخاوف من ان تأثيراته بدأت تزول مع تصاعد الشحن الطائفي والسياسي، وتفلت الكثير من الشبان من الطرفين عن اية ضوابط حزبية وسياسية ووطنية، ما يستوجب تدخل طرفيه المعنيَيَن لإعادة ضبط الشارع والحد من ردود الفعل ومنع المغرضين من الدخول على خط التوتير.

 

وهذا التفلت والشحن والتحريض بات ينذر بخطر سياسي واجتماعي ووطني اذا استمر ولم تتم معالجته باتصالات ولقاءات بين القوى السياسية المعنية في المناطق المتداخلة، خاصة ان بعض المصادر المتابعة للموضوع تقول انه منذ سنوات حصلت قضية مماثلة لكن في احدى البلدات قرب بعبدا، التي ترفض بلديتها تمليك المسلمين، وتمت وقتها متابعة الموضوع «على الساكت» وبلا ضوضاء او استنفار عصبيات، وتمت مراجعة احد نواب «التيار الحر» الذي وعد بالمتابعة وايجاد حل، واوحى وقتها انه يمكن معالجة القضية عبر بيع النسبة الاكبر من العقار للمسيحيين اي ما يقارب تسعين في المائة، واذا بقيت العشرة بالمائة شاغرة ولم يتيسر بيعها، يمكن بيع الشقق للمسلمين على ان يكونوا معروفين ومن اصحاب المراكز (طبيب او مهندس او محامٍ…). وتوقف الموضوع عند هذا الحد ولم تتم اثارته من وقتها ولم تحصل اية مشكلة.

 

لكن ما حصل قبل ايام قليلة في الحدث، يُشكل إنذارا للقوى السياسية المتفاهمة على الامور العامة ولكنها تترك امور الشارع للغوغاء والمتطرفين، واحيانا يدخل بعض السياسيين على خط زيادة الشحن بدل المعالجة الهادئة، وبغض النظر عما اذا كان قرار وزيرة الداخلية ريا الحسن بمراجعة ومعالجة الموضوع مع محافظ جبل لبنان ورئيس بلدية الحدث والبلديات المجاورة ووضعه ضمن الاطر القانونية، سيترك نتائج ايجابية ويسهم في تدوير الزوايا الحادة وتهدئة جو الشارع، فإن القوى السياسية في المنطقة معنية اكثر من اي جهة اخرى بمعالجة الموضوع شعبيا وردع المحرّضين. كما من واجب الدولة ملاحقة المحرضين على الفتنة ومنع الانفلاش العشوائي والغوغائي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وصلت امس الاول السبت الى ذروتها.