ما فرّقته السياسة واستحقاقاتها الداخلية والخارجية جمعته “صفقة القرن”. فلبنان الرسمي بمختلف طوائفه واحزابه السياسية اجمع على رفض مشروع السلام المعروف بـ”صفقة القرن” الذي تسوّقه الادارة الاميركية عبر مستشار الرئيس دونالد ترامب صهره جاريد كوشنير. وترجم هذا الرفض بعدم المشاركة في مؤتمر البحرين، الذي وان كان بعنوان اقتصادي رنّان “السلام من اجل الاقتصاد”، الا انه يحمل في مضمونه مشروعاً دولياً ينسف القضية الفلسطينية من اساسها ويقضي على حق العودة للاجئين في دول الشتات منها لبنان.
ومن الواضح ان لبنان الذي اشتم مسبقاً رائحة “صفقة” بمعانيها الخبيثة في المشروع لن يقبل ان يكون شاهد زور على إبرامها بفعل “إغراءات” مالية، لذلك رفض المشاركة في ورشة عمل البحرين، خصوصاً ان المؤتمر الذي تستضيفه المنامة بتنظيم من الادارة الاميركية ويغيب عنه اصحاب الشأن وفق ما جاء على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري، يعد سابقة عربية “خطيرة”، لانه فتح للمّرة الاولى الباب امام الاسرائيليين (ستة صحافيين) للحضور الى ارض عربية لا تُقيم علاقات دبلوماسية مع تل ابيب من اجل تمرير مشروع سلام بوعود مالية، الى جانب حضور دبلوماسي دولي ومشاركة رجال أعمال.
ويقلل من اهمية المؤتمر الذي فقد وهجه الرسمي، اطلاق الاعلام الاميركي على ورشة البحرين اسم “ورشة عمل جاريد كوشنير”. وتوقّع مصدر دبلوماسي لبناني لـ”المركزية” “ان يموت في مهده، اذ يُخفي المؤتمر الممهد له من قبل الملك البحريني مع فرنسا ومن قبل كوشنير مع بعض الدول العربية وراء جلساته “الاقتصادية” التي تتمحور حول خطة واشنطن للسلام في الشرق الأوسط، خديعة مغلّفة بعنوان تحسين معيشة الفلسطينيين “برشاوى مالية” في مقابل تصفية القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال”.
تفاصيل الخطة: وفي السياق، اشار الامين العام لـ”حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية” مصطفى البرغوثي الى “ان خطة كوشنير لتحسين الاقتصاد تمثّل خدعة كبرى للتغطية على تصفية القضية الفلسطينية برمتها، والجميع يعلم ان ما من بديل اقتصادي او غير اقتصادي لحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال”.
وكشف البرغوثي في تصريح عن ست نقاط تتضمن الحقائق الرئيسية التي تكشف جوهر الخداع في الخطة المطروحة:
1-رقم خمسين مليار دولار الذي ذكر هو لمدة عشر سنوات اي بمعدل خمسة مليارات سنوياً فقط.
2- رقم خمسين ملياراً كما ذكر كوشنير يحتوي فخاخا خطرة. فنصف المبلغ المذكور حسب تصريحات كوشنير، اي خمسة وعشرون مليار دولار سيكون قروضاً بفوائد وليس منحاً، وهذه قروض ستُثقل كاهل الفلسطينيين ان نفّذت الخطة بمزيد من الديون التي ترهقهم اصلا. بالاضافة الى ذلك، فان 11 مليار دولار من المبلغ المذكور ستكون من رأس المال الخاص الذي سيسعى للربح وليس لدعم الاقتصاد الفلسطيني ومن المشكوك فيه اصلا انه يمكن جمع هذا المبلغ.
3- اربعة واربعون بالمئة اي حوالي نصف الخمسين ملياراً ( 28مليار) لن تعطى للفلسطينيين بل ستصرف في الدول العربية المجاورة (مصر والاردن ولبنان) بهدف توطين اللاجئين وتصفية حقوقهم الوطنية في العودة، ولإنهاء وجود وكالة الغوث الدولية، وهي في الواقع محاولة لسلب التبرعات التي تقدم حاليا لوكالة الغوث لدعم اللاجئين الفلسطينيين وتحويلها إلى اموال في خطة كوشنير لتصفية حقوق اللاجئين بعد تدمير وكالة الغوث وخدماتها الصحية والتعليمية.
4-المنح المقترحة للفلسطينيين لن تتجاوز ثمانية مليارات دولار لعشر سنوات، اي بمعدل 800 مليون سنويا وهو ما تدفعه في المعدل الدول العربية والأوروبية للسلطة الفلسطينية حالياً، اي ان المساعدات الموعودة هي نفس المساعدات الموجودة لكن سيتم تقييدها بجعلها مشروطة بتنازل الفلسطينيين عن القدس وعن حقهم في دولة وعن فلسطين بكاملها بقبولهم ضم اجزاء كبيرة من الضفة الغربية لإسرائيل.
5-ما طرحه كوشنير من مشاريع مقترحة لغزة موجّه لفصل غزة بالكامل عن فلسطين، ولربطها بالكامل بجزيرة سيناء المصرية وهذا يستدعي يقظة فلسطينية ومصرية إزاء محاولات تحويل غزة الى مشكلة مصرية وفصلها بالكامل عن فلسطين.
6-مصدر معظم الأموال المذكورة الدول العربية، لكن ان كانت الدول العربية تنوي دعم فلسطين فلماذا تحتاج ان تجعل دعمها مشروطا بتنازل الفلسطينيين عن حقوقهم الوطنية بما في ذلك حقهم في القدس وحقهم في دولة، وحق اللاجئين في العودة؟ ولماذا تحتاج الدول العربية ان توجّه مساعداتها عبر الولايات المتحدة وإسرائيل”؟