كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:
تخضع الانتخابات النقابية في لبنان لحسابات مختلفة كليّاً عن الانتخابات النيابية، بحيث تختلط فيها الأوراق وتتبدّل الأولويات، بحيث تطغى تحالفات المصالح على المبادئ، وذلك باعتراف قوى سياسية أساسية. وهذه المتغيّرات تجعل مؤيدي هذا الفريق أو ذاك في حالة ضياع وتشويش، وهو ما حمل كثيرين على الانفضاض عن أحزاب وحتى زعامات.
هذه الظاهرة برزت مع انتخابات نقابة الصيادلة التي جرت في خريف العام الماضي وقبلها بنسبة أقلّ في انتخابات المهندسين، لكنّ وجهها الفاقع تجلّى في انتخابات نقابة الأطباء التي حصلت قبل أسبوعين، وتمثلت في تحالف حركة «أمل» وتيّار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، الذي مني بهزيمة مدويّة، أمام تحالف «التيار الوطني الحرّ»، «حزب الله»، «القوات اللبنانية»، الحزب الشيوعي، الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب «الحوار الوطني»، التي حقق فيها الأخير فوزاً كاسحاً، حيث فازت لائحته كاملة برئاسة نقيب الأطباء الجديد شرف أبو شرف.
تحالفات المصالح هذه لم تجد لها بعض القوى السياسية تفسيراً، لا سيما تيّار «المستقبل» الذي وجّه لوماً لبعض الحلفاء الذين اختاروا التحالف فيها مع ألدّ خصومهم السياسيين، ورأى قيادي نقابي في «المستقبل» أن «التيار لم يتخلّ عن مبادئه، ورفض مطلقاً التحالف مع أحزاب يناصبها الخصومة السياسية، مثل (حزب الله) و(الشيوعي) و(القومي)، عدا عن التباين السياسي الحالي مع التيار الوطني الحرّ». وأكد القيادي أن «تيار المستقبل غير نادم على النتيجة، لأن جلّ ما يمكن أن يحققه إذا التحق بالتحالف الحزبي الواسع، أن يربح مقعداً في عضوية نقابة الأطباء، لكنه آثر خوض المعركة انسجاماً مع مبادئه، ولو خسرها نقابياً، فإنه ربح مصداقيته أمام الناس». وقال: «تيار المستقبل لديه ما بين 600 و700 طبيب، ورغم ذلك لم يكن له ممثل في النقابة لأنه خاض انتخابات وفق قناعته ومبادئه».
من جهته، اعتبر رئيس جهاز الإعلام في حزب «القوات اللبنانية» شارل جبور أن «الانتخابات النقابية لا يحكمها المعيار السياسي والوطني الذي يحكم الانتخابات النيابية». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الانتخابات طبيعتها نقابية، وهي مرتبطة بالشخص المرشّح، والتقاطعات التي تفرضها المعركة، بخلاف الانتخابات النيابية، التي رفضنا خلالها التحالف مع أي فريق تتضارب مبادئنا الوطنية مع مبادئه».
لكن القاعدة التي ترتكز عليها الانتخابات النقابية، والتي تقوم على المصالح والغاية التمثيلية، تختلف جذرياً عن الانتخابات الطلابية التي تشهدها الجامعات ومعاهد التعليم العالي، بحيث تجري على قاعدة التنافس والاصطفاف السياسي الحادّ جداً، التي يخوضها طلاب أحزاب «14 آذار» ضدّ طلاب قوى «8 آذار»، وغالباً ما تؤدي إلى صدامات بين الطرفين، ولفت شارل جبور إلى أن انتخابات طلاب الجامعات مرتبطة بالحركة الطلابية المسيسة جداً، وهي شبيهة بالانتخابات النيابية، مؤكداً أن «حركة الطلاب هي حركة شبابية تقوم على التعبئة والاستنهاض، بينما الانتخابات النقابية ذات طابع مطلبي مهني وخدماتي».
وينتظر أن تشهد انتخابات نقابة المحامين في بيروت، مزيداً من خلط الأوراق، وهي تتهيّأ لمنافسة على انتخاب نقيب جديد للمحامين وأربعة أعضاء لمجلس النقابة، وستكون أشدّ وطأة من انتخابات نقابات الصيادلة والمهندسين والأطباء، بسبب العدد الكبير من المرشحين المستقلين، وعدم تسمية الأحزاب المسيحية مرشحيها لهذه المعركة، لكنّ تيار «المستقبل» كان سبّاقاً في ذلك، إذ قرر محاموه ترشيح زميلهم المحامي سعد الدين الخطيب، لمركز العضوية ليكون ممثل التيار والعضو السنّي الوحيد في النقابة، لكنّ المفاجأة أتت من المحامي جميل قمبريس (عضو مجلس النقابة الحالي الذي تنتهي ولايته في الخريف المقبل)، إذ أعلن عزمه على خوض الانتخابات بوجه الخطيب، مخالفاً بذلك قرار قيادة التيّار.
وأكد قمبريس وهو عضو المكتب السياسي في «المستقبل» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يخوض الانتخابات كمرشّح نقابي مستقلّ وليس ضدّ تيار السياسي الذي اختار مرشحاً آخر».
وأوضح أن لديه «علاقات واسعة بمحامين داخل التيار ومن أحزاب أخرى ومستقلين يدعمون ترشيحه وبقاءه في موقعه في النقابة»، مستبعداً أن ينتج عن ذلك خلافات بينه وبين زملائه الحزبيين، أو أن يؤدي إلى عداوة مع قيادة التيار». علماً بأن محامياً بارزاً في «المستقبل» عبّر لـ«الشرق الأوسط» عن انزعاجه من خطوة قمبريس، معتبراً أن ترشحه «سيأكل من رصيد مرشّح التيار سعد الدين الخطيب».
ويتنافس على مركز النقيب أربعة مرشحين مستقلين، هم المحامون عزيز طربيه، وجيه مسعد، ناضر كسبار وملحم خلف، وفيما لم يعلن رسمياً اسم أي مرشّح للتيار الوطني الحرّ و«القوات اللبنانية» وهما الحزبان المسيحيان الأقوى نفوذاً في النقابة، ثمة توجّه لترشّح المحامي بيار حنّا عن «القوات اللبنانية»، وفادي بركات أو جورج نخلة عن «التيار الوطني الحر»، وكشفت مصادر مواكبة لتحضيرات معركة نقابة المحامين، أنه «إذا لم يسمِّ التيار الحرّ مرشحاً حزبياً لمركز النقيب، قد يتجه للتصويت للمرشّح المستقل ملحم خلف، ما يرفع حظوظ الأخير بالفوز».