كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
دخل لبنان مرحلة هي من أخطر المراحل التي تواجهه منذ الاستقلال إلى اليوم، ففي الوقت الذي بلغت فيه ازمته الاقتصادية والمالية حدّاً بات عاجزاً عن مواجهتها بالرغم من التطمينات الدولية والتحايل المحلي، برزت إلى الواجهة مشكلة جديدة قديمة تتعلق بمصيره وكيانه وهي خطر التوطين الذي طرق بابه بقوة مع إعلان واشنطن مضامين صفقة القرن التي حيكت في ليل عربي دامس للقضاء على القضية الفلسطينية وضياع فلسطين.
هل سيكون لبنان قادراً على مواجهة هذا الخطر وإبعاد الكأس المرة عنه؟
من الصعب الإجابة على هذا السؤال قبل اتضاح صورة الخطة الأميركية بالكامل، وإن كانت الدفعة الأولى من التسريبات التي حصلت عن الصفقة وما قيل في العلن عن لسان صهر الرئيس الأميركي كوشنير مستفزة كون ان مفاعيلها ستكون على حساب الدول المضيفة وعلى وجه الخصوص لبنان وسوريا والأردن ومصر.
والمستغرب في هذا السياق ورغم المخاطر الكبيرة الناجمة عن هذه الصفقة فإن اي موقف رسمي جامع لم يصدر عن المسؤولين اللبنانيين باستثناء ما أعلنه الرئيس نبيه برّي فور الكشف عن مضمون الصفقة وتلاه بيان رؤساء الحكومات السابقين، علماً ان حدثاً من هذا النوع يتطلب المسارعة إلى دعوة مجلس الوزراء للانعقاد بصورة استثنائية والخروج ببيان يُؤكّد الثوابت اللبنانية لجهة رفض التوطين وهو موقف موجود في صلب الدستور اللبناني، وأكّد عليه لبنان في كل القمم العربية وفي المحافل الدولية وفي كل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
صحيح ان مفاعيل الموقف اللبناني الرافض لأي حل للقضية الفلسطينية لا يضمن حق العودة ستكون سلبية على واقعه السياسي والاقتصادي حيث ينتظر ان يتعرّض لضغوط من مختلف الدول التي ستبارك الصفقة، غير ان هذا لا يمنع لبنان من الثبات على موقفه الرامي إلى الحفاظ على كيانه أولاً، والمؤيد للشعب الفلسطيني في ان يعيش بسلام في دولة مستقلة اسوة بباقي الشعوب على المعمورة ثانياً، وهذا الموقف حكماً سيكون مدعوماً من جميع الفصائل الفلسطينية الموجودة على أراضيه والرافضة لمثل هذه الصفقة، وينتظر ان يظهر الموقف الرسمي والثابت والنهائي من هذه الصفقة التي أعلن عن الشق الاقتصادي منها في غضون أيام قليلة وهو حتماً سيكون موقفا جامعا كون ان كل القوى السياسية تؤكد مجاهرة رفضها لأي خطوات تتعلق بالقضية الفلسطينية تؤدي إلى التوطين في لبنان.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية ان رفض لبنان مضامين الصفقة مسلّم به بغض النظر عن النتائج المترتبة عن ذلك، خصوصاً وان الجميع يعرف ان الإدارة الأميركية تحاول استغلال الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها مختلف الدول المجاورة لفلسطين والتي تستضيف اللاجئين لتسويق خطتها الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، مستفيدة من حالة اللااستقرار التي تعيشها مختلف الدول العربية.
ولم تستبعد المصادر ان تلجأ واشنطن في حال شعرت ان هذه الصفقة لن يكتب لها الحياة إلى المعادلة التي تعتمدها حيال الكثير من الملفات، بدءاً بالملف النووي وصولاً إلى الأزمة السورية، وهي معادلة تقوم على العقوبات أو الضغوط الاقتصادية والمالية تجاه الدول التي تريد الخروج عن طاعتها وعدم القبول بما تحاول فرضه على هذه الدول.
وتؤكد المصادر ان صفقة من هذا النوع لن يكون تمريرها بالأمر السهل، خصوصاً وان هناك محوراً لا يستهان بقوته يقف في مواجهة المشروع الأميركي في المنطقة وهو المحور الإيراني – الروسي – الصيني الذي لن يدع واشنطن تفرض أمرا واقعا في الشرق الأوسط، وتأتي قوة هذا التحالف من ثباته اللامحدود، كون ان الدول الثلاث تعرف ان فك هذا التحالف يعني استفراد واشنطن بكل دولة، وبالتالي تصبح الغلبة في المنطقة لصالح الاحادية الأميركية، وهو ما لن تسمح هذه الدول بحصوله، لا سيما الصين، التي ستستميت في حماية اقتصادها الذي يغزو العالم على حساب الاقتصاد الأميركي.
وفي رأي المصادر انه وبالرغم من أن الصفقة الأميركية قد بانت ملامحها منذ وقت ليس بقصير غير ان طرحها في هذه المرحلة اربك المنطقة بكاملها، كون ان ذلك جاء في ظل حالة من التوتر وعدم الاستقرار يعيشها العالم العربي على كافة المستويات، ولذلك فإنه من المتوقع ان يكون الموقف العربي من هذه الصفقة غير موحد لا بل من الممكن ان يؤدي إلى مزيد من الشرخ، علماً ان نجاحها شبه معدوم وسيكون مصيرها كمصير محاولات الإدارات الأميركية السابقة التي حاولت، وإن بطرق مختلفة تحقيق ما ترمي هذه الصفقة إلى تحقيقه على الرغم من اختلاف المناخات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين اليوم والفترات الماضية، مع الإشارة إلى ان ملف المقاومة وتحديداً مقاومة الشعب الفلسطيني باتت اقوى بكثير عمّا كانت عليه في الماضي، وهذه المقاومة حكماً ستنطلق مجدداً طالما ان الشعب الفلسطيني اليوم يواجه محاولة للقضاء على كينونته وخسارته كل شيء.