كتب المحامي محمد أمين الداعوق في “اللواء”:
… وعُقِدْت «ورشة» البحرين بما خطط لها بأن تكون بداية تصفية القضية الفلسطينية، دون أن يتجرأ المخططون والداعون على دعوة ممثلي فلسطين إليها وبغيابهم بكل مؤسساتهم وفصائلهم وفاعلياتهم، وبدون أن تشهد الورشة حضور مسؤول فلسطيني من أي حجم أو وزن كان، وكان في طليعة الحضور والمشاركين، ممثل «إقتصادي» لدولة إسرائيل صاحبة المصلحة الرئيسية في صفقة القرن والساعية إلى تحقيقها، والمؤسف أن بين المشاركين في هذه الورشة عدد من ممثلي الدول العربية الذين صدقوا الكذبةالأميركية-الإسرائيلية بكل خبثها وخلفياتها بأن لقاء البحرين هو ورشة في سبيل السلام والإزدهار!
ولعل الأصح أن يقال إنهم إجبروا على التصديق. أن تتبنى إسرائيل هذا الزعم وهذه الفاجعة الجديدة وأن تكون إسرائيل في مقدمة الحضور، هو أمر مفهوم وغير مستغرب من عدو يتربص بكل شبر من فلسطين المحتلة وكل مواطن وكل حق وطني مشروع، وهي بذلك تبني تخطيطاً يصب في مصلحتها وفي طموحاتها ومطامعها إلى إنهاء فلسطين والفلسطينيين وكل الأصول والجذور التي يمثلونها في أرضهم وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم من خلال صفقة القرن التي أطلقها الرئيس ترامب واليهودي كوشنير النجم الأول في ورشة المنامة والغاطس في بحار الصهيونية وقاذوراتها حتى الثمالة.
ما لا نفهمه حتى الآن وما تحوم حوله عشرات علامات الإستفهام والإستغراب، هو ذلك الحماس البحريني المفاجىء في تبني الورشة واستضافتها رغم أهدافها ومقاصدها، وكونها تمثل نقطة البداية لصفقة القرن وصفعاتها لقضية فلسطين بقدسها ومسجدها الأقصى ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، لماذا تتحمس البحرين الغارقة في كثير من اشكالاتها ومشاكلها الداخلية، لتكون نقطة الإنطلاق لأكبر وأخطر مؤامرة تفرض أصولها وفصولها على العرب ببلدانهم ودولهم كافة، وها هو شقها «الإقتصادي والإنساني»! مطروحاً في هذه الورشة طالما أننا بصدد «صفقة» القرن ذات الأسس والمضامين التجارية البحتة دون شقها السياسي الذي تحوم حوله جملة من علامات الإستفهام ويواجه رفضا قاطعا من أصحاب الحق والارض والقضية، فضلا عن رفض قاطع عربي وإسلامي شامل تجسد قولا وفعلا في مؤتمرات مكة المكرمة وفي تصريحات المسؤولين العرب وفي طليعتهم المسؤولون السعوديون ومما يدعو إلى الإستغراب أن تقدر قيمة الأموال التي ستخصص لتصفية القضية الفلسطينية بخمسين مليار دولار، مقسط تأمينها على عشر سنوات .
وتصرح الولايات المتحدة بأنها تأمل بأن تكون معظم هذه الأموال حصيلة تبرعات خليجية!! لا نريد أن ندخل في تفاصيل هذه الإملاءات وهذه التوجهات، المستغبية للعقل العربي مدركين سلفا أن تطورات صفقة القرن تتراكم من حولها الضغوطات الأميركية، وتغلب عليها خفايا وخبايا التآمر الإيراني المندفع باتجاه الأرض العربية وفي طليعتها بلدان الخليج العربي، مرورا بدول الشرق الاوسط الأساسية العراق وسوريا ولبنان وصولا إلى شواطىء البحر المتوسط، وتحقيقا لطموحات الإيرانيين في استعادة أمجاد الأمبراطورية الفارسية، مستغلين ومؤججين الأجواء المذهبية ومنتهجين مبدأ إحداث وتأجيج صراع مذهبي يتناول شقيه السني والشيعي.
وهو طرح ما فتئت كثير من ملامحه تتبلور وتتجذر وتبرز أضرارها وأخطارها، كما تبرز معالم الحروب مختلفة الأوجه والأنواع الناتجة عنها والمتعلقة بها، على الأرض العربية حيث الأذرع الإيرانية تمسك بخيوط التحكم والسلطة، وحيث أخطار الحروب المتوقعة في الشرق الأوسط ينتظر أن يكون منطلقها تلك الميليشيات المهيأة والمعبأة لهذه المهام التي قد يكون لبنان أحد ميادينها الرئيسية، ومن خلال إلقائنا لنظرة بانورامية على ما تختلقه الولايات المتحدة من إشكالات في المنطقة، بعضها مبرّر بالمطامح والمطامع الإيرانية وأخطارها النووية والبالستية وتوقعاتها السلبية على الممرات المائية الدولية، وهو تبرير صحيح وقائم بالفعل، إلاّ أن كثيرا من خبايا وخفايا هذا النهج المشبوه يصب في إطار وضع الأمة العربية بأسرها وفي طليعتها دولها الفاعلة، وشعبها الفلسطيني المشرد والمهدد بما تبقّى له من وجود وأصول وجذور قائمة في وطنه، في موقع الضغط والتهديد، ودفعه إلى مخالب طلب الحماية الأميركية، فلا تتوفر له تلك الحماية إلاّ من خلال تلبيته إملاءات صفقة القرن، والمنطلِقة بشقّها الإقتصادي من «بلاد العُرْب أوطاني، من الشام لبغدان»، وصولا إلى حرب اليمن التي مرّت على اندلاعها سنوات عديدة دون أن يسمح لها أن تنتهي وأن ترسو على برّ المصلحة القومية والوطنية، بل هي مستمرة بزخم الأموال العربية الطائلة التي تدفع ثمن السلاح الأميركي وتكاليف الحماية الأميركية، وهكذا يتابع الأميركي في هذه الأيام، تلك الورشة التي بدأت في الواقع، من منطلقات وعد بلفور، وتسببت بضياع فلسطين ووضعت العرب وثرواتهم ووجودهم كله في مهب الرياح الغربية عموما، وحاليا في مهب التحكم الأميركي الواضح والفاضح، والذي بدأ بتنفيذ تلك المؤامرة الفاحشة التي سمّاها صفقة القرن، وهي صفقة يدفّعنا نحن العرب ثمنها وأضرارها وأخطارها، ويتابع بها سلسلة المؤامرات التي تتوالى علينا كزخ المطر، تشل فعالياتنا السياسية والإقتصادية والشعبية، وتغرقها في سيل من الإشكالات الوطنية المختلفة، ولنا في ما يدور في هذه الايام من أحداث مستجدّة في كل من ليبيا والجزائر والسودان، خير دليل على ما يحركونه من أحداث جسام في ما تيسر من مجمل مواقعنا العربية.
ورشة البحرين من هذه الطينة وهذه العجينة، المطلوب منها تأمين المال اللازم لبيع قضية فلسطين وأرضها وتسليم أماكننا المقدسة للغاصب الإسرائيلي، وأيتها الدول العربية الغنية، إن مؤامرة القرن التي ستفشل بإذن الله، تتطلب بادىء ذي بدء، أن تفسحي في ميزانياتك ما يكفي لإتمام هذه الصفقة – الصفعة بكل تفاصيلها ومستلزماتها، ولن يفوتنا في الختام أن نوجه التحية إلى موقف كل من لبنان والكويت وكل رافض للصفقة-الصفعة، بمن فيهم الدول العربية التي امتنعت عن حضور «ورشة» المنامة.