كتب عامر مشموشي في “اللواء”:
التصعيد بين الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الرئيس ترامب وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة المرشد الأعلى خامنئي مرشّح للاستمرار، وأبرز تجلياته قرار الرئيس الأميركي بتشديد العقوبات على إيران لتطال المرشد الأعلى لولاية الفقيه، وكان قصد ترامب منها دفع القيادة الإيرانية إلى مزيد من التصعيد، ومزيد من ردود الفعل العنيفة بهدف تخويف دول العالم بشكل عام ودول المنطقة واقصد هنا الدول العربية ودول الخليج تحديداً من اندلاع حرب عالمية ثالثة تدفع هذه الدول اثمانها من اقتصادها وحتى من سيادتها إذا صح التعبير.
هذا الأمر بدا واضحاً من خلال اقدام الرئيس الأميركي على افتعال مشكلة لإثارة إيران ثم يتراجع عنها، بعد ان يقدم تبريرات غير مقنعة للمجتمع الدولي، الأمر الذي جعل هذا المجتمع يطرح علامات استفهام كبيرة حول الأهداف أو الهدف الذي يتوخاه الرئيس ترامب من وراء مواقفه المرتبكة تجاه إيران إلى درجة جعل هذا المجتمع نفسه يطرح علامات الاستفهام تلك ويتساءل عمّا إذا كانت هناك علاقة مباشرة أو غير مباشرة لهذا السيناريو بين الرئيس الأميركي والقيادة الإيرانية لتمرير صفقة القرن التي يقف وراءها وامامها سيّد البيت الأبيض خلال حملته الانتخابية، وما بعد جلوسه في البيت الأبيض، ومبادرته إلى فتح ملف الاتفاق النووي مع إيران واستخدام هذا الملف كقميص عثمان يخوّف من خلاله دول المنطقة العربية ودول الخليج تحديداً من التمدد الإيراني على مصيرها.
مصدر دبلوماسي عربي لا يستبعد، من خلال مقاربته لهذه التساؤلات، مثل هذا السيناريو الذي ما زال خارج الاحتمالات المطروحة لأهداف سيد البيت الأبيض، ويرى ان هناك إمكانية كبيرة في وجود تقارب مصالح بين الرئيس ترامب وبين المسؤولين الإيرانيين، بدأ بغض الطرف الأميركي عن دخول إيران عسكرياً في سوريا وصولاً إلى دعمه هذا الدخول من خلال تراجعه المكشوف عن إسقاط رئيس النظام السوري، وقبوله بالاحتلال الإيراني وادارته لملف الأزمة السورية.
وتستشهد المصادر بالقرار الذي اتخذه ترامب والقاضي بالتراجع عن مطلب إزاحة الرئيس بشار الأسد عن السلطة، إضافة إلى تراجعه عن معارضة الوجود العسكري الإيراني في عاصمة الامويين، وأكثر من ذلك تغطيته على هذا الوجود وفق ما اثبتته تصرفاته ومواقعه من المؤتمرات التي عقدت في استانا لإيجاد تسوية للنظام السوري.
وفي رأي هذه المصادر ان الهدف الأساسي الذي كان يسعى إليه الرئيس ترامب من فتح المعركة مع الجمهورية الإسلامية بعدما صورها بأنها العدوة الأكبر والأخطر للعرب، وان اطماعها في الاستيلاء على العالم العربي لا يرقى إليها الشك وبعدما انساقت هي – أي إيران – مع هذا التوجه من خلال وضع يدها على العراق وسوريا واليمن وصولاً إلى حدود دول الخليج من خلال نفوذها في دولة البحرين، والمجاهرة بعدائها للدول العربية لأسباب عقائدية مرتبطة بالصراع بين ولاية الفقيه وأهل الجماعة السنَّة.
وتخلص هذه المصادر إلى ان هذا السيناريو هو الأقرب استناداً إلى تخبط الرئيس الأميركي في مواقفه تجاه إيران وتجاه اطمئنان القيادة الإيرانية إلى ان الحرب بينها وبين الولايات المتحدة لن تقع وان كل ما يحصل هو سيناريو أميركي – إيراني مشترك لتمرير صفقة القرن التي كما يتضح من مسار الأمور وردود الفعل التي تتراوح بين الإيجابي والسلبي من جانب الدول العربية من جهة، ومن جانب المجتمع الدولي من جهة اخرى، انها تسير بخطى ثابتة لتصبح امراً واقعاً يقبل به لاحقاً جميع الدول العربية وحتى الفلسطينيين أنفسهم الذين اعلنوا رفضهم لهذه الصفقة. ومن يتمعن في تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بعد العقوبات التي فرضها ترامب وينظر في المقابل إلى آخر التصريحات التي أدلى بها مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنير من المنامة حيث كان يعقد مؤتمر دولي لبحث الجانب الاقتصادي من صفقة القرن، والتي يُؤكّد فيها ان الرؤية التي قدمتها حكومته للفلسطينيين وللدول العربية يُمكن ان تجعل الاقتصاد أفضل بالضفة الغربية وانها – أي حكومته – ستكشف عن الجانب السياسي لصفقة القرن في الوقت المناسب، لتؤكد بما لا يقبل الشك ان الولايات المتحدة وإيران ذاهبتان إلى تفاهم تام على تقاسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وليس إلى الحرب كما يروّج لها في خضم الهجمة على تنفيذ صفقة القرن.