يستفيق اللبنانيون بين الحين والآخر لرفع الصوت بأنهم ضد توطين الفلسطينيين في لبنان، ويتحدثون عن اعتبارات كثيرة تحملهم على هذا الرفض، وفي مقدمها أن التوطين سيؤدي إلى ضياع فلسطين بالفعل مع انتفاء حق العودة، كما أن تغييرا ديمغرافيا كبيرا سيحصل في لبنان وسيكون أيضا في مصلحة المسلمين، وتحديدا المسلمين السنة.
في المنطق وفي الوطنية لا يجب أن يقبل أي لبناني بتوطين الفلسطينيين في لبنان، أي أن على اللبنانيين ألا يقبلوا بأن يحصل أي فلسطيني على الجنسية اللبنانية، وأن يعملوا على ألا يكون للفلسطينيين تأثير في السياسة والأمن اللبنانيين، وأن يواصلوا الجهد في أي مكان أو دولة أو جهة مفيدة من أجل ألا يبقى هؤلاء في لبنان، ووجهتهم الأولى يجب أن تكون فلسطين رغم أن الجميع يدرك أن الإسرائيلي يرفض حتى الآن هذه العودة بأي شكل من الأشكال.
منذ نكبة العام 1948 وحتى اليوم الفلسطينيون موجودون في لبنان ويأملون بالعودة ولكن لا عودة، بل بالعكس فقد دخلوا في صلب السياسية اللبنانية وأمن الوطن اللبناني، وكان دورهم في الحرب اللبنانية رئيسيا ولو صرفوا الجهد الذي بذلوه في تلك الحرب نحو فلسطين لربما حققوا بعض ما يطالبون به. ويبقى الفلسطينيون اليوم في لبنان بصيغة أو بأخرى في المخيمات وخارجها، ويبقى في يدهم سلاح يستخدمونه في إشكالات بين بعضهم البعض أكثر ما يستخدمونه في وجه إسرائيل، إضافة إلى سلاح فلسطيني آخر خارج المخيمات في قواعد للجبهة الشعبية القيادة العامة وفتح الانتفاضة وكان يجب أن ينزع ولكنه بقي بقدرة قادر في أنفاق لا يبعد بعضها عن مركز الحكم في لبنان سوى كيلومترات قليلة، وما من أحد يعلم لماذا هو موجود.
الفلسطينيون باقون في لبنان والذين يغادرونه لا يعودون إلى فلسطين بل يهاجرون إلى أصقاع الأرض، وربما هذه الهجرة هي التي خففت من أعدادهم في لبنان ليصل الرقم رسميا إلى 175 ألفاً في حين أن مراجع أخرى ما زالت تتحدث عن 500 ألف. وقد تكون هذه الهجرة هي السبيل الوحيد للفلسطيني للخروج من ظروفه المأساوية في لبنان، فمشاكله اليومية هي وفي شكل تلقائي أكثر وأكبر من مشاكل اللبنانيين، ولن يوفر أي فلسطيني سبيلا للهروب منها، وفي رأس أولوياته الخروج من لبنان ولن يثنيه شيء عن ذلك متى توفرت أي فرصة.
في لبنان الفلسطينيون على مرمى حجر من أرضهم المحتلة وعلى مرمى حجر من “دولتهم” في الضفة الغربية وقطاع عزة حيث تقوم سلطة ولو كانت من فتح أو من حماس ولكن أولويتها يجب أن تكون جمع الشمل الفلسطيني على تخوم الأراضي المحتلة، فالعودة ومنع التوطين ليسا أكثر من شعارات ترفع ككل الشعارات السابقة وترددها الأجيال الفلسطينية لتجد نفسها في النهاية أمام واقع مرير وأليم لم تغير في اتجاهه قيد أنملة باتجاه فلسطين، فيبقى بعبع مكوثهم في لبنان قائما أبدا وقد يصبح اسمه توطينا.