كتبت رلى ابراهيم في “الاخبار”:
يعاني حزب الكتائب شرخاً تنظيمياً عززه تقديم موعد المؤتمر الحزبي في شباط الماضي قبل معالجة الثغَر الداخلية. والاختلاف الرئيسي اليوم بين من يعمل على إعادة لمّ شمل الكتائب، قدامى و«حردانين»، وبين رئيس الحزب سامي الجميل الذي يكيل بمكيالين في التعامل مع الذين كانوا يوماً قياديي الكتائب الرئيسيين.
منذ ما قبل الانتخابات النيابية عام 2018، برز تفاوت في التوجهات السياسية والعملانية بين قيادة الكتائب الممثلة برئيسها سامي الجميل وبعض المسؤولين والحزبيين. فمنهم من تقدم لاحقاً باستقالته من المكتب السياسي احتجاجاً على عدم المحاسبة وغياب الشفافية المالية والاستراتيجية السياسية (شادي معربس، أسعد عميرة، عبد الله ريشا)، ومنهم من قاد حركة معارضة للأسباب نفسها، إضافة الى الاعتراض على تقديم موعد المؤتمر الحزبي وانتخاب مكتب سياسي بدا أشبه بالتعيين، كالنائب نديم الجميل. اللافت هنا أن الاختلاف حول طريقة إدارة الحزب لا يزال كما كان منذ أشهر، ولم ير رئيس الحزب سبباً طارئاً لإعادة لحم العلاقة بينه وبين المسؤولين أو أقله مناقشة الهواجس الحزبية التي يحملها عدد كبير من الكتائبيين
والواضح أن النائب سامي الجميل غير مقتنع بالانفتاح على القاعدة الكتائبية القديمة والحالية، ولا هو مستعد لمحاورة من يختلف معه في الرأي. فخلال الاجتماع الأسبوعي للمكتب السياسي منذ نحو أسبوع، قال نديم الجميل ما يثبت ذلك. إذ يقول أحد أعضاء المكتب السياسي إن نائب الدائرة الأولى في بيروت اعترض على إصدار مجلس الإعلام في الحزب بياناً حول ما جرى خلال حفل تكريم الأمين العام السابق لحزب «الكتائب اللبنانية» إبراهيم ريشا من دون التواصل معه حتى أو اعتباره ممثلاً للكتائب وناطقاً باسمه.
لذلك رفض الجميل البيان شكلاً ومضموناً، «لأن الكلام الصادر يوحي كأن الكتائب لم تكن ممثلة في الحفل، وفيه تهجم على 600 شخص بينهم كتائبيون قدامى وأعضاء حاليون في المكتب السياسي». الحادثة التي أثارها نديم الجميل تعود الى ما قبل نحو أسبوعين عندما كرّم النادي الثقافي في البترون، مؤسسه الأمين العام السابق في الكتائب إبراهيم ريشا بحضور رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والنائب نديم الجميل ورئيس هيئة الشورى في الحزب جورج شاهين والأمين العام السابق في الكتائب رفيق غانم، إضافة الى أعضاء في المكتب السياسي الحاليين والسابقين وبعض القياديين القدامى. يومها، تحدّث باسيل بإيجابية عن التجربة الكتائبية، مشيراً الى أنه ينبغي الحفاظ على التنوع مع تأكيده محاولات التيار الوطني الحر العديدة الانفتاح على الكتائب، من دون أن يلقى تجاوباً. فردّ عليه النائب نديم الجميل مباشرة قائلاً: «نشدّد على أنّ اختلافنا في الخيارات والسياسة لا يجب أن يكون حائلاً دون التفاهم (…)، لذلك مثلما مددت اليد الى الكتائب، نحن أيضاً مستعدّون لمدّ اليد للجميع من أجل مصلحة لبنان العليا»..
كان يمكن لما جرى أن يمرّ بسلاسة ولا سيما أن أي إهانة لم توجه الى الكتائب، غير أن بيان رئيس الحزب أصاب ثلاثة عصافير بحجر، باسيل ونديم والحاضرين، إذ قال: «محاولة التقارب بين التيار والكتائب مرحب بها في كل وقت، شرط أن تأتي تحت سقف الثوابت، وهو ما حال دون التوافق حتى الآن. فموقف التيار الحالي من السيادة أقرب إلى موقف بعض الحاضرين في العشاء منه إلى موقف حزب الكتائب». هكذا تم تجاهل وجود مسؤولين كتائبيين، وخُلق توتر بين حزب الكتائب والقدامى، في حين أنه كان يفترض «الرد على الإيجابية بالمثل لا بهذه السلبية. فالحزب لا يملك رفاهية خسارة أي فرد اليوم، بل يفترض أن تكون خطته الرئيسة إعادة الهيكلة ومصالحة القدر الأكبر من المؤيدين»، على حد قول معترضين. وفي المداخلة التي قدّمها نديم في المكتب السياسي، اعترض على عدم اعتبار رده على باسيل كافياً، وعلى تعمُّد إحراجه هو وباقي الكتائبيين. مصادر كتائبية مقربة من رئيس الحزب تعتبر أن البيان جاء ليؤكد كلام نديم، إذ «رحب بإيجابية باسيل، لكنه قال ضمناً إن الخلاف السياسي يحول دون التوافق».
أما عن انتقاد بعض الحاضرين بدل استقطابهم، فإن «الكتائب ترحب بكل من يلتقي مع خطها السياسي، لكن بعض القدامى باتوا أقرب الى باسيل ويعملون مستشارين في التيار وغيره، وبالتالي وجب تصويب النقاش الذي حصل». فيما هناك من يقول إن البيان ليس سوى «فشة خلق على الكتائبيين غير الموافقين على سياسة سامي الحالية، لكنهم لا يزالون يؤمنون بمبادئ الحزب وضرورة إعادته الى ما كان عليه قبل أن يترأسه». وتقول المصادر إن غضب الحاضرين الرئيسي كان بسبب الهجوم على 600 شخص واتهامهم بأنهم من زمن الوصاية، فيما تبنى الحزب، منذ أقل من شهر، ترشيح أحد أعضاء المكتب السياسي في زمن كريم بقرادوني، أي برنار جرداقة، الى مركز نقيب الأطباء. فهل يكيل الحزب بمكيالين؟ وفي هذا السياق، ذكّر نديم خلال الاجتماع «بالمصالحة التي أرساها الوزير الراحل بيار الجميل في عام 2005، سائلاً لماذا يتم ضربها مجدداً والتفرقة بدل الجمع».
في اتصال مع «الأخبار»، رفض نديم التعليق على الحادثة، مؤكداً أنه أفصح عما لديه في المكتب السياسي، مشيراً الى أنه يتابع نشاطه كالمعتاد في الأقسام والأقاليم «ومشروعي لملمة كل الكتائبيين والحردانين لإعادة تفعيل الحزب وخلق ساحة تواصل بيننا حتى لو حاول البعض وضع العصيّ في طريقي». ما رأي القيادة الحزبية بذلك؟ «بدِّك تسأليها رغم أني أعطي رأي القيادة التي أنا أمثّلها وأنا جزء منها». وعن الخلل الذي أدى الى حرد البعض، يقول الجميل إنه نتيجة «سوء إدارة يمكن معالجتها اليوم بطريقة مختلفة لبناء جسر ثقة جديد بيننا حتى تشعر قاعدتنا بأن هناك من يحمي ظهرها وأن لديها مرجعية تلجأ إليها وحتى تعود الكتائب الى دورها السياسي الرائد».
أما المصادر المقربة من رئيس الحزب، فلا توافق على كلام نديم، مؤكدة أن «هاجس الكتائب اليومي هو السعي لاسترداد كل كتائبي ولو خرج منذ 40 عاماً، على أن يكون مقتنعاً بخط الحزب السياسي». وترى أن سامي الجميل نجح في إعادة الكتائب الى صلب الحياة السياسية، لكن خارج التسوية السائدة اليوم: «الكتائب وحدها معارضة ونحقق نتائج ممتازة. ربحنا 3 طعون ضد السلطة، وبات بيت الكتائب محطة ملزمة للكل على اعتبار أنه «قلب المعارضة».