صعّد العسكريون اللبنانيون المتقاعدون خطواتهم مجددا، الخميس ضد فرض ضريبة على معاشات التقاعد وإجراءات أخرى ضمن مشروع موازنة العام 2019 التي تهدف إلى خفض العجز في البلاد.
ويأتي تحرك العسكريين وسط إيحاءات من بعض القوى بوجود استهداف ممنهج للمؤسسة العسكرية، بغية إضعافها، وهذا يندرج، وفق محللين، في إطار التجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية في هذا البلد، ومحاولات كل طرف استقطاب مؤسسات الدولة، معتبرين أن هذا التمشي يهدد الوضع الهش في لبنان.
ويناقش نواب البرلمان مشروع الموازنة هذا الأسبوع بعد أن انتهت الحكومة من إعداده الشهر الماضي. ويهدف المشروع إلى خفض العجز إلى 7.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي من 11.5 بالمئة العام الماضي مع تحذير الزعماء اللبنانيين من أن البلاد تواجه أزمة مالية ما لم تطبق إصلاحات.
ولبنان من بين أكبر الدول مديونية في العالم ويصل حجم ديونه إلى نحو 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتواجه الموارد المالية الحكومية ضغوطا بسبب تضخم القطاع العام وارتفاع تكاليف خدمة الديون والدعم الضخم لقطاع الطاقة.
وفجرت المخاوف من خفض المرتبات ومعاشات التقاعد احتجاجات وإضرابات خلال الشهور الماضية، لكن مشروع الموازنة الذي أقرته الحكومة لا يتضمن خفضا في رواتب العاملين بالقطاع العام، إلا أن عسكريين متقاعدين في الجيش يعارضون الإجراءات التي ستؤثر عليهم.
ويشمل مشروع الموازنة خفضا بنسبة 3 بالمئة في معاشات تقاعد العسكريين سيخصص لدعم الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، إلى جانب ضريبة على المعاشات وتعليق التقاعد المبكر.
وفي مشهد يسلط الضوء على القضايا السياسية التي تواجه حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري، تصاعدت أعمدة الدخان في وقت مبكر من الخميس حيث أغلق العسكريون المتقاعدون الطرق بالإطارات المشتعلة لبضع ساعات. وانتظرت صفوف طويلة من السيارات على جانبي الطريق الذي يعد الشريان الرئيسي إلى العاصمة في مشهد تكرر في أماكن أخرى من البلاد.
وحمل المحتجون صور عسكريين قتلوا أثناء الخدمة وستتأثر عائلاتهم بالتخفيضات المزمعة. وقال العميد المتقاعد سامي رماح “الحكومة تضرب الجيش اللبناني بمخصصاته وتحاول قضم كل مكتسباته”، متوعدا بالمزيد من الخطوات التصعيدية.
وأوضح عباس عمار وهو رقيب أول متقاعد منذ 2001 “حيصير في تسكير (إغلاق) بكل لبنان. هيدي (هذه) الطبقة السياسية وصلتنا لهيدي المرحلة. هيدا حق مكتسب إلنا (لنا)”.
وفي محاولة لتهدئة الأجواء قال وزير الدفاع إلياس بوصعب “إن إغلاق الطرقات لا ينفع المطالب والمواطن يدفع الثمن. والبندان العالقان في مجلس النواب تم التفاهم حولهما… وسنجد الحلول وتحدثت مع الحريري في هذه الحلول وهو تحدث بدوره مع وزير المالية لعرضها الاثنين”.
وبدا سائقو السيارات الذين عطلهم إغلاق الطرق متعاطفين مع المحتجين. وقال محمد شبلي وهو جالس في سيارته، “عندي شغل لكن هذه القضية أكبر بكثير من الشغل، هؤلاء العسكر متضايقون ونحن أيضا متضايقون، نحن مش مبسوطين (لسنا سعداء) أبدا بما تفعله هذه الدولة”.
وتشمل الخطوات الرئيسية لخفض العجز المتوقع أن يبلغ 7.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي فرض ضريبة على الفوائد وضريبة على الواردات وكذلك خطة حكومية لإصدار سندات منخفضة الفائدة.
وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هذا الإسبوع إن البنك المركزي يدعم المساعي الحكومية لخفض تكلفة خدمة الدين في ميزانية 2019، لكن لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق بشأن كيفية تحقيق ذلك.
وتقول دوائر سياسية لبنانية إن إقرار ضرائب جديدة من شأنه أن يزيد من حالة الإحباط المستشرية، ولكن هذا لا ينفي حقيقة وجود أطراف على غرار التيار الوطني الحر تحاول استغلال الأزمة من خلال اعتبار أن في الأمر استهدافا مقصودا للمؤسسة العسكرية وهذا طرح خطير جدا على استقرار البلاد، ويهدف إلى جر الجيش نحو مستنقع الاستقطابات الداخلية.
وتلفت هذه الأوساط إلى أن موازنة العام 2019 مست جميع الشرائح المجتمعية في لبنان، وبالتالي محاولة تسويقها على أنها موجهة بالأساس ضد المتقاعدين العسكريين تنطوي على مغالطة كبيرة.
وتشير الأوساط إلى أن التيار الحر بزعامة وزير الخارجية جبران باسيل لا يتوانى عن اتخاذ خطوات مثيرة للجدل لتعزيز تموقعه سياسيا وشعبيا وفي مفاصل الدولة، ولكن الإيحاء بوجود مشروع لضرب الجيش تجاوز الخطوط الحمراء.
وفي تعليق على تحرك العسكريين قال عضو تكتل “لبنان القوي” النائب نعمت أفرام “إننا مع العسكريين المتقاعدين وهناك إجحاف بحق الجيش اللبناني وهناك نفس ضده”. وأضاف أفرام في تصريحات صحافية “الجيش اللبناني هو جهاز تابع للدولة والجيش الوحيد الذي حارب تنظيم داعش الإرهابي بالعالم العربي وفاز وانتصر بكل مواجهة قام بها معه، ولكن هل نكافئه من خلال المس براتبه والمس بموازنته؟ وهل يجوز أن نقلّص عن الجيش الأقوى في مواجهة داعش طعامه ومحروقاته؟”.