من الصعب الحكم النهائي على “مؤتمر المنامة” عند إجراء مقارنة بين اوجه فشله ونجاحه. فهناك كلام اثير على هامش المؤتمر وفيه وبعده، يمكن الأخذ به للسير في اتجاهات متعددة، من بينها القول انه قد لا تكون له علاقة بـ “صفقة القرن” بعدما نفى عنه مستشار الرئيس ترامب جاريد كوشنير هذه الصفة. فهل يمكن تسميته بـ”سيدر واحد” خاص بالفلسطينيين يشكل نسخة مكررة من سيدر اللبناني؟ وان كان على هذه الشاكلة، فلماذا رفضه الفلسطينيون؟
ايا كانت النتائج النهائية التي أفضى اليها مؤتمر المنامة والتي لم يكشف عنها احد، وايا كانت المقررات النهائية التي لم تعلن لا على شكل بيان نهائي ولا على شكل توصيات او ورقة تلخص النتائج، فالمواقف المفروزة سلفا منه لن تتبدل بسهولة. مصادر دبلوماسية قالت لـ”المركزية” انه بات من الواجب انتظار القرارات النهائية وخصوصا تلك التي ستتحدث عن حجم التعهدات المالية التي ستقدمها الدول والمؤسسات المانحة وكيفية توزيع المليارات التي يمكن جمعها على الدول والمؤسسات المحلية والاقليمية والدولية التي خصص لها المؤتمر. وسيكون من الواضح التمييز المنتظر بين ما هو مخصص للداخل الفلسطيني او في دول الشتات ومنها دول الجوار الفلسطيني كما بالنسبة الى الأردن ولبنان ومصر والعالم حيث ينتشر زهاء ستة ملايين فلسطيني.
وبعيدا مما يمكن ان يصدر عن المؤتمر وبانتظار إخضاعه للقراءة المتجردة، لا بد من الإشارة الى الظروف التي قادت الى المؤتمر، فليس خافيا على الكثير من الدبلوماسيين انه لم يأت بجديد، فمسلسل المبادرات الأميركية والدولية سجل عشرات الحلقات قبل المؤتمر، منها ما تم استنساخه وتجديده بالأمس القريب، ومنها ما تم تجاهله في السياسة كما في الاقتصاد والمال.
وفي التقارير التي اعدها دبلوماسي عتيق، تفصيل للكثير من المراحل التي شهدت حوارا ومفاوضات على اقتراحات شبيهة بتلك التي طرحت في المؤتمر. فكانت مدار أخذ ورد لم تنته المفاوضات في شأنها الى شيء ملموس. ومرد ذلك الى مواقف فلسطينية داخلية منذ سنوات ادت الى وأدها في مهدها ومنها ما طرحته الإدارة الأميركية ووسطاء آخرون ولم تكتمل الورش بشأنها وهو ما اعاق تحولها الى امر واقع منذ عقدين من الزمن.
وفي ذاكرة الدبلوماسي واوراقه التي اعاد تجميعها منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن، اشارات واضحة الى ما هو مطروح اليوم والتعديلات المقترحة على ما لم يتم البت به في مراحل سابقة من المفاوضات الثنائية وتلك المتعددة الجنسية.
قبل مفاوضات اوسلو العام 1993 والتي ادت الى قيام السلطة الفلسطينية، كانت هناك سلسلة من المؤتمرات منها ما عقد في انابوليس وفي كامب دايفيد وبرشلونة ومواقع مختلفة طرحت خلالها الإدارات الأميركية المتعاقبة حلولا للوضع الإقتصادي في الضفة وقطاع غزة لانها كانت تترقب حجم الأزمات التي تعيق قيام دولة كاملة الأوصاف. فاقتصرت انجازاتها على قيام ما سمي بـ “السلطة الفلسطينية” التي لا ترقى الى مشروع قيام الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة.
وعندها يتذكر الدبلوماسي ما طرحته ادارة الرئيسين جورج بوش الأب وجورج بوش الإبن من افكار تحدثت عن مشاريع انعاش مناطق السلطة الفلسطينية ودول الشتات الفلسطيني في المفاوضات على قاعدة انعاش الوضع الإقتصادي في مناطق السلطة قبل التفكير بالإنطلاق نحو بناء الدولة المستقلة، علما انها كانت ترفض في السر ما جاهرت به علنا حول مبدأ قيام الدولتين في حال نجحت السلطة الفلسطينية في بناء مقومات الدولة الفلسطينية الموعودة.
ولا ينسى الدبلوماسي الإشارة الى مبادرات ادارة الرئيس باراك اوباما الذي تحدث عن ضرورة قيام “اقتصاد قوي” في اطار “السلطة الفلسطينية” مقابل “الأمن للدولة الاسرائيلية”. وهو ما ترجم بالحديث عن تخلي السلطة الفلسطينية عن سيادتها في البحر والجو ومنع قيام جيش وطني واقتصار القوى المسلحة للسلطة على وحدات من قوى الأمن الداخلي والشرطة عدا عن تكبيلها ببرامج الضرائب التي تحيلها اسرائيل الى السلطة الفلسطينية بشكل دوري.
ومن هذه الخلفيات بالذات، يلقي الدبلوماسي الضوء على الخلاف الفلسطيني الداخلي ويعطي مثلا على ذلك. وما قصده الخلاف الذي نشأ بعد العام 2005 تاريخ تولي رئيس السلطة محمود عباس السلطة وهو الذي كان يصر على اولوية الحل السياسي على قيام الإقتصاد الوطني من اجل ان تبقى السلطة في يد فتح وابعاد العلمانيين عنها، ورئيس حكومته سلام فياض الذي كان صاحب نظرية “بناء الدولة بصرف النظر عن بلوغ مرحلة الحل السياسي النهائي” وهو ما اعاق المشروعين فقام الخلاف الكبير بين عباس وفياض وانفصل الثاني عن السلطة، فلا قامت الدولة، ولا تم التوصل الى الحل النهائي حتى اليوم.
ومن دون الدخول في الكثير من التفاصيل، يضيف الدبلوماسي: جاء كوشنير ليتحدث في مستهل المؤتمر في البحرين، عن اعطاء الأولوية لما سماه “الرخاء الاقتصادي” وما سيوفره “مؤتمر المنامة” من رفاه وكرامة للشعب الفلسطيني اينما وجد في الداخل او الخارج وتوفير متطلبات العيش الكريم قبل الحديث عن الحل النهائي لا وفق مبادرة بيروت ولا اي صيغة أخرى، فأحيا كل المناخات التي سادت المبادرات السابقة ايام بوش الأب والأبن كما اوباما ولو بلغة وفي ظروف مختلفتين، رغم ان هذا النقاش لم ينته الى اي حل بعد.
وبناء على ما تقدم يخلص الدبلوماسي الى القول ان “مؤتمر المنامة” يمكن ان يكون بمثابة “سيدر واحد” بالنسبة الى الفلسطينيين بفارق اساسي وجوهري عن “سيدر” لبنان يكمن في سعي لبنان الى تلبية مطالب “سيدر واحد” لتنفيذه، فيما الفلسطينيون يرفضون مثل هذا المؤتمر وهو ما يفتح الآفاق على اسئلة وهواجس أخرى ليس من السهل التكهن بما ستكون الأجوبة عليها في المستقبل.