كتبت ماريانا معضاد في صحيفة “الجمهورية”:
مع قدوم فصل الصيف، يصبح خطر الغرق هاجساً لدى كثير من الناس، لا سيما من لا يجيد السباحة، وطبعاً الأمّهات. فلا يريد الأهل حرمان أطفالهم من لذّة قضاء يوم على البحر أو في المسبح، ومن فوائد السباحة وأشعة الشمس. ولكن في الوقت عينه، يبقى الغرق خطراً محدقاً، خصوصاً لصغارنا. وما يزيد الأمر سوءاً، هو سماع كل سنة حالة غرق واحدة على الأقل، خارج المسبح!
وهي جالسة تتمتّع بأشعة الشمس، سمعت الأم أصوات تخبّطات غريبة في المياه، فقفزت مرتعبة نحو طفلها. أفزعها مشهد ابنها وهو يصارع لأخذ نفس، فيما المياه تغطّي وجهه الصغير. فأسرعت وانتشلته من المياه، ظنّاً منها أنها أنقذت حياته. أخرج الصبي المياه من فمه بالسعال، وهدأ بعد مرور ربع الساعة. في اليوم التالي، حصلت الفاجعة، وفقدت الأم ابنها الحبيب، جرّاء تراكم السوائل في الرئة، ونقص الأوكسيجين عن الدماغ… ماذا حصل؟
يظن الجميع أنَّ الطفل في أمان من الغرق حالما يخرج من المياه. ولكن ما لا يعرفونه هو احتمال وفاة الطفل حتى بعد خروجه إلى الجفاف، جرّاء ما يُعرَف بالغرق الجاف، والغرق الثانوي. في حديث لـ»الجمهورية»، أفاد الدكتور جورج جوفلكيان، رئيس قسم الأمراض الصدرية والعناية المركزة وأمراض النوم ورئيس قسم الطب الداخلي في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي، وأستاذ مشارك في جامعة البلمند: «على مرّ السنوات، أُجرِيَت دراسات عدّة حول هذه الحالات الغريبة، وجرَّدَت النتائج «الغرق الجاف» و»الغرق الثانوي» من الصفة الطبية. فتبيّنَ أن حالات الوفاة لم تكن غرقاً، بل مضاعفات أو مشكلات حدثت داخل الجسم بعد الخروج من المياه. وغالباً ما سبقت حالات الوفاة هذه الـ»near drowning»، أي المشارفة على الغرق». وأوضح: «ليس «الغرق الجاف» و«الغرق الثانوي» مصطلحين طبيّين.
المصدر
الغرق يعني رئتين مملوءتين بالماء. ولكن في بعض الحالات، لا تكون كمية المياه كافية في الرئة،. بحسب ما فسّر د. جورج، مضيفاً: «يكون سبب الموت نقص الأوكسيجين في الدماغ، والفارق بالضغط لدى التنفّس أثناء إغلاق الفم (ما يؤدي إلى تغيّرات فزيولوجية تسبّب توقف الوظائف الحياتية). فيلقى بعض الأشخاص حتفهم قبل دخول المياه إلى الرئة حتى. أما المشارفة على الغرق، فتسبّب الأضرار للفرد، وقد تصل إلى ما يُسَمى شعبوياً بالغرق الجاف والغرق الثانوي. ولكن النسبة نادرة جداً (0.5% بحسب دراسة كبرى أجريت). قد يشرق الفرد الأحماض من المعدة وتدخل إلى الرئة، فيحصل تغيّر في دقّات القلب ما يؤدي إلى ذبحة قلبية، أو تحدث مشكلة في الضغط نؤدي إلى مشكلة بالشرايين… إذاً هي مضاعفات تحصل نتيجة التغيّرات الفزيولوجية الناشئة عن المشارفة على الغرق، ولا تتعلّق مباشرة بالغرق. كما قد يحدث «الغرق الثانوي» بسبب ابتلاع مياه المسبح أو البحر الملوّثة».
توجيهات بعد المشارفة على الغرق، يجب:
-أولاً، إعادة إنعاش القلب (CPR) في حال توقفه عن الخفقان، وإعطاء الشخص تنفّساً اصطناعياً بالفم. ويمكن استعمال الآلات المخصّصة لذلك في حال توافرها، من دون وضع المريض في وضعيات خاطئة (رأساً على عقب، أو على جنبه، إلخ) لإخراج المياه من فمه. والأهم هو التأكّد من توفّر الأوكسيجين للجسم لا سيما الدماغ، إذاً من استعادة التنفس بشكل طبيعي.
إنتبه: نقص الأوكسيجين عن الدماغ يسبّب مشكلات خطرة لا يمكن إلغاء عواقبها. فيسبّب انقطاع الأوكسيجين عن الدماغ لأكثر من 3 إلى 4 دقائق أضراراً دائمة ترتبط حدّتها بطول فترة انقطاع الأوكسيجين. في الحقيقة، بعد المشارفة على الغرق وانقطاع الأوكسيجين عن الدماغ، يحتاج الفرد إلى أيام أو أسابيع ليستعيد حالته الطبيعية، وأحياناً لا يعود أبداً إلى حالته الطبيعية.
-ثانياً، يعاني مَن شارف على الغرق من انخفاض حرارة جسمه، ما يحمي الدماغ من أضرار عدم توفّر كميّة كافية من الأوكسيجين فيه. ولكن بعد الخروج من المياه، يجب تدفئة الجسم.
-ثالثاً، على المريض أو أهله الاتنباه إلى أيّ عوارض قد تظهر عليه في اليومين التاليين، واستشارة الطبيب في هذه الحالة.