طبعتْ نهايةَ الأسبوع في لبنان «محطةٌ دراماتيكية»، وذلك رداً على الجولةُ التي قام بها رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل في عددٍ من قرى عاليه، على متن تحالفه مع الوزير طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب، اللذين يشكلان ثنائيةً يرتاب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من وجود محاولة لتكبير حجمها بحيث «تأكل من رصيد» زعامته في الجبل.
هذه المحطة الدراماتيكية، أسفرت عن سقوط قتيلين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب،الذي تحدث عن محاولة اغتيال، ودفعت رئيس الوزراء سعد الحريري، إلى تكثيف اتصالاته لتهدئة الوضع في منطقة عاليه، في حين دعا حزب التوحيد، إلى ملاحقة من تعرضوا لموكب الغريب ومحرضيهم. وقطع بعض المحتجين، اوتوستراد خلدة باتجاه بيروت بالقرب من الجامعة الاسلامية.
وحتى قبل أن تنطلق جولة باسيل، فقد بدا مسارُها محفوفاً بحساسياتٍ سياسية ولا سيما ان جدول الزيارة اشتمل على محطة في الشحّار الغربي (افتتاح مخيم للتيار الحر في كفرمتى) التي تكتسب رمزية كبيرة في ذاكرة الحرب الأهلية، اضافة الى افتتاح مركز للتيار الحر في صوفر، وغداء في شملان وزيارة للقماطية ومائدة عشاء في خلدة عند ارسلان.
ففي الكحالة، أكد باسيل «تعرفون تاريخ الرئيس ميشال عون في الكحالة وسوق الغرب وضهر الوحش، وكل هذه المنطقة التي حمت الشرعية بمعناها العميق، ونحن خلفيتنا الفكرية هي مع الشرعية والدستور وفي عز نفينا الجسدي والسياسي لم نخرج على الدستور».
وفي صوفر، قال خلال افتتاح مكتب التيار: «صحيح ان اكثريتنا من المسيحيين وصحيح ان البعض يستغل مطالبتنا باستعادة الشراكة للقنص على التيار بأنه طائفي، ولكن الاصح ان التيار انطلق اساسا من بيئة وطنية هي بيئة الجيش اللبناني».
في المقابل، وفيما برز كَسْرُ جنبلاط قراره بالاحتجاب عن «تويتر» عبر تغريدةٍ غمزت ضمناً من قناة باسيل ومواقفه، اذ كتب «أفضل طريقة في الجواب على التحدي الناتج من الغرور هو في التجاهل»، لم تتأخّر مَظاهر «الغضب» في صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي بالظهور على الأرض حيث انتشر عناصره بدءاً من مداخل عاليه حاملين الاعلام والرايات «للتذكير بهوية المنطقة السياسية» وتأكيداً على «أن المختارة بوابة الجبل»، وسط معلومات عن إزالة لافتات ترحيب برئيس «التيار» وعن أن موكبه لم يدخل عاليه في طريقه إلى صوفر، وصولاً الى فيديوهات أظهرت مؤيدي «الاشتراكي» وهم يقطعون الطرق في عدد من المناطق بينها مداخل بلدتيْ كفرمتى وقبرشمون لمنْع مرور موكب باسيل وكانوا يطلقون هتافاتٍ ضدّه.
وعلى وقع هذه التحرّكات التي تَخَلّلتْها بعض الإشكالات مع القوى الأمنية، ساد حبْس الأنفاس مع حدوث توتّرات في بعض مناطق «جبل المصالحة» ولا سيما كفرمتى. وعلّق وهاب بالقول: «لا يليق بك يا وليد بك ولا بتيمور كشاب واعد ومهذب ومحترم، وقطاع الطرق يسيئون لصورة قرانا».
وعصراً، تنقل الوزير أكرم شهيب بين بلدات عدة لمحاولة فتح الطريق، معلناً «أهلاً وسهلاً بالوزير باسيل، ولكن بشرط الا تأخذ الزيارة هذا الطابع الحاد والعنفي في السياسة، خصوصاً ان زيارات مماثلة فتحت روائح الحرب التي نسيها أهل الجبل».
لكن التوتر تصاعد مع تأكيد الوزير الغريب ان مسلحين اطلقوا النار على موكبه في محاولة اغتيال، مشيراً الى انه اصيب 3 من مرافقيه، توفي أثنان منهما لاحقاً، هما سامر أبو فراج ورامي سلمان.
وقال الغريب: «كنا في طريقنا في منطقة قبر شمون وتفاجأنا بوابل من الرصاص».
مالياً، ورغم إيحابيات إعلانِ مصدرٍ حكومي قطري، أن الدوحة بدأتْ بشراء سندات الحكومة اللبنانية في إطار قرارٍ لاستثمار 500 مليون دولار في الاقتصاد، فإن التلقُّفَ الكبيرَ في بيروت لهذا التطوّر المنتظَر منذ يناير الماضي عَكَس دقّةَ الواقع في «بلاد الأرز» وحاجتها الملحّة إلى خطوات تكون بمثابة «أوكسيجين» يفرْمل ملامح «استنزاف» ثقة وكالات التصنيف الائتمانية الدولية بمستقبل الوضع المالي – الاقتصادي.
وبدا أن لبنان كان «متلهِّفاً» للخطوة القطرية التي جاءت ترجمةً لما كانت الدوحة تعهّدت به خلال قمة بيروت الاقتصادية الاجتماعية التي انعقدت في يناير الماضي، لجهة الاستثمار بنصف مليار دولار في السندات الدولارية.
وفيما أعلن المصدرُ القطري أمس، أن بلاده «قرّرتْ استثمار 500 مليون دولار في الاقتصاد اللبناني، بما في ذلك شراء سندات حكومية لبنانية، وقد اشترينا بعض السندات وبقية الاستثمارات ستجري كما هو مخطَّط له مع الحكومة اللبنانية»، اعتبر وزير المال علي حسن خليل «أن الكلام القطري عن شراء السندات جدّي ويعبّر عن التزام الدوحة بوعدها لدعم الاستقرار المالي في لبنان»، مؤكداً «أن هذا دليل ثقة في السندات اللبنانية وسيكون له تأثير إيجابي على الأسواق».
وبمعزل عن تفاصيل المبادرة القطرية وإذا كان شراء السندات يتم وفق فائدة السوق أو بفوائد مخفضة وآجال طويلة، فإنّ توقيتَ الإفراج عن استثمارات نصف المليار دولار يفترض أن يوجّه رسالة طمأنة الى الأسواق الدولية، كما الى وكالات التصنيف التي كانت تَوالت تقديراتُها السلبية حيال آفاق الواقع المالي في لبنان.
واعتبرتْ أوساطٌ سياسية عبر «الراي» أن من شأن ملاقاة الخطوة القطرية بالإسراع في إقرار مشروع موازنة 2019 أن يوفّر على البلاد «ورطة» مالية لاحت في الأفق في الأيام الماضية.
وفي حين يفترض أن تُنْهي لجنة المال النيابية اليوم «غرْبلة» آخر بنود الموازنة تمهيداً لتحديد موعد لجلسة عامة لإقرارها، فإن الأسئلة لم تغادر دوائر مطّلعة ترسم علامات استفهام حول مدى قدرة بيروت على الوفاء بالإشارة الأولى الرئيسية التي تنتظرها «الرقابة الدولية» وهي الالتزام بالأرقام التخفيضية للعجز في موازنة 2019 ووضع الإصلاحات الهيكلية والقطاعية على سكة التطبيق.